وأعتذر عن هذه الإطالة فى نقل فقرات من مقدمة السيد الرافعى لكتابه
(الإعجاز) فعباراته فيها تعكس صدى رأى علماء جيله فى هذا الكتاب، بقدر
ما تكشف لنا عن طريقته في النظر والتناول، ومنطقه فى البرهنة والاحتجاج
وأسلويه فى المناقشة والجدل..
فبمثل هذا التدفق جرى قلمه فى موضوع الإعجاز. وبمثل هذه الطواعية
الخطابية صال وجال فى الميدان كمن يقول، كم ترك الأول للآخر!
واستراح حيث ظن أنه ألقم الأوائل والآواخر حجراً، وقال: (فى غير
الجهات التى كتب فيها كل من قبله "!
***
ثم لم يلبث أن صار هو من الأول الذى ترك لنا ما ترك.
لم تمض أعوام على ظهور كتابه فى الإعجاز، حتى بدا الميدان لمن بعده خاليا
أو يكاد، فرأى الدكتور عبد العليم أن ينشر فى الهند كتاب الباقلاني فى
(إعجاز القرآن) فى الوقت الذى رأى فيه الزميل السيد أحمد صقر أن ينشر
الكتاب نفسه فى مصر، لأنه فى تقديره "أعظم كتاب ألف فى الإعجاز إلى
اليوم".
وهو رأى لم يسلم به الدارسون من قدامى ومحدثين، وينقل الزميل فى
مقدمته لإعجاز الباقلاني، أن بعض المتعصبين كرهوا نشر الكتاب،
قال: "حدثى من أثق بصحة حديثه أن دارا للنشر والطبع استشارت كبيرا منهم فى طبع هذا الكتاب بتحقيقى، فكتب إليها بخط يده يقول: (أنا لا أنصح بطبع كتاب إعجاز القرآن للباقلاني، لأنه ليس أنفسَ كتاب فى موضوعه).
ولما لقيت كاتب هذا التقرير العجيب قذفت سامعتيه بهذا التحدى: دلنى على كتاب واحد فى إعجاز القرآن تربو قيمته على كتاب الباقلاني.
فأبلس ولم يحر جوابا"
قلت وأنا أقرأ هذا التعليق: رحم الله ابن حزم! ورحمنا الله إن كانت


الصفحة التالية
Icon