قرآن، فكان أن فتحت يثرب بالقرآن، قل الهجرة بسنتين.
هل فرض القرآن إعجازه على هؤلاء الذين استنارت بصائرهم فآمنوا
بالمعجزة القرآنية بمجرد سماعهم آيات منها، دون غيرهم ممن لجوا فى العناد
والتكذيب،
ذهب القاضى أبو بكر الباقلاني إلى هذا، حين عدَّ تفاوت العرب، عصر
المبعث، فى الفصاحة، من الوجوه الصارفة عن الإسلام، لمن ظلوا منهم على
الشرك والتكذيب أمدًا طال أو قصر.
ذكر آية التوبة: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (٦).
فرأى فيها الدليل البين على أن فيهم من يكون سماعه إياه حجة عليه:
فإن قيل: لو كان كذلك على ما قلتم، لوجب أن يكون حال الفصحاء
الذين كانوا فى عصر النبى - ﷺ -، على طريقة واحدة عند سماعه،.
قيل له: لا يحب ذلك، لأن صوارفهم كانت كثيرة: مها أنهم كانوا
يشكون، ففيهم من يشك فى إثبات الصانع، وفيهم من يشك فى التوحيد،
وفيهم من يشك فى النبوة...
فكانت وجوه شكوكهم مختلفة وطرق شبَههم متباينة. فمنهم من قلَّت
شبهه وتأمل الحجة حق تأملها ولم يستكبر فأسلم. ومنهم من كثرت شبهه
أو أعرض عن تأمل الحجة حق تأملها، ولم يكن فى البلاغة على حدود النهاية
فتطاول عليه الزمان إلى أن نظر واستبصر وراعى واعتبر، واحتاج إلى أن يتأمل عجز غيره عن الإتيان بمثله، فلذلك وقف أمره... ولو كانوا فى الفصاحة على مرتبة واحدة، وكانت صوارفهم وأسبابهم متفقة، لتوافوا إلى القبول جملة واحدة.