"لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاًَ".
ثم انصرفوا.
حتى إذا كانت الليلة التالية. عاد كل منهم إلى مجلسه لا يدري بمكان صاحبيه.
فباتوا يستمعون إلى القرآن حتى طلع الفجر فتفرقوا وجمعهم الطريق فتلاوموا، وانصرفوا على ألا يعودوا".
لكنهم عادوا فتسللوا في الليلة وباتوا يستمعون إلى القرآن.
وفي (السيرة) أيضاً أن الملأ من قريش بعثوا أحد صناديدهم "عتبة بن ربيعة" إلى رسول الله - ﷺ - ليعرض عليه أموراً أرسلوه بها. فقرأ المصطفى آيات من سورة "فُصَّلَتْ" عاد "عقبة" بعدها إلى قريش مأخوذاً، فما لمحوه حتى صاحوا: عاد أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به.
وقد تحير المشركون من قريش فيما بينهم، بم يصفون هذا القرآن: قالوا هو شعر، وقالوا هو سحر، وقالوا هم كهانة. وقد عرفوا الشعر كله رجزه وقصيده ومقبوضة ومبسوطة، وعرفوا السحر ونفثه وعُقَدة، وعرفوا الكهانة وسجعها وزمزمتها. وما جهلوا أن القرآن ليس شيئاًَ من ذلك كله، فإذا كانوا قد وصفوه هكذا فلقد أقروا بأن له من السلطان على عقولهم وأفئدتهم ما لم يعهدوا له شبيهاً إلا في أخذة السحر ونفوذ الشعراء والكهان. ذلك حين اجتمعوا في دار الندوة وقد دنا أول موسم بعد المبعث وآن وفود القبائل للحج. وإذ تواطأ طواغيت قريش على أن يأخذوا سبل الناس إلى مكة ويصدوهم عن سماع القرآن. كان عليهم أن يتفقوا فيما بينهم على قول واحد في هذا القرآن يلقون به العرب، حتى لا يختلفوا فيه ويرد بعضهم قول بعض. وشهدت دار الندوة حيرتهم في وصفهم إياه بالسحر أو الشعر أو الكهانة، وإنهم ليعلمون - كما قال قائلهم - أن العرب بحيث لا يفوتها أن تميز القرآن