.......................
ذلك شعراً... وسمعتُ غلاماً لصديق لي، وكان قد سقى بطنه، وهو يقول لغلمان مولاه: اذهبوا إلى الطبيب وقولوا قد اكتوى.
"وهذا الكلام يخرج وزنه على خروج: فاعلاتن مفاعلن، مرتين. وقد علمتَ أن هذا الغلام لم يخطر على باله قط أن يقول بيت شعر أبداً. ومثل هذا كثير، ولو تتبعته في كلام حاشيتك وغلمانك لوجدته".
والجاحظ لا يسوق هذا الكلام، ردًّا على وصف قريش للقرآن بالشعر وإنما يرد على من التقطوا بعض آيات قرآنية زعموا أنها في وزن الشعر.
لكن يوهنه عندي، هذا التنظير بكلام العامة والسوقة، من الحاشية، والغلمان وباعة الباذنجان. فما هانت القضية إلى المدى الذي يساق فيه مثل هذا، في الاحتجاج لنفي الشعر عن البيان الأعلى.
مازلت أقول: "إن مثل هذا في كلام الباقلانى عن الوجوه التي يحتملها "ماحكاه القرآن عن الكفار من قولهم إنه شاعر، وإنه هذا شعر" لا موضع له. من حيث أرى أن الكفار من قريش، ما قصدوا إلى أن فيه بعض فقرات موزونة وزن الشعر، ولا خطر لهم على بال أن يتعلقوا بآيات فيه على وزن بيت أو بيتين من قصيد أو رجز، ولا بلغ بهم عقم الطبع وفساد السليقة، أن بيت أو بيتين له بمثل ما يجرى على ألسنة العامة في مبتذل الكلام.
وإنما هو سحر البيان، عرفه للقرآن مشركو قريش من قبل أن يسمع غيرهم من سائر العرب كلمات منه، وكان "الوليد بن المغيرة" يتحدث عن سليقة أصلية مرهفة حين لفت قومه إلى أنهم ما إن يقولوا إن القرآن شعر حتى ينكر العرب عليهم ذلك، وإنما غاية ما يبلغون من وصفه أن يقولوا ما نصح لهم به: إن محمداً جاء بكلام هو السحر يفرق بين الرجل وأخيه وزوجه وولده.