التفت "الشريف المرتضى" - في: طيف الخيال - إلى ارتباط معجزة النبي العربي بمكان البيان في قومه.
وأزيد الموقف إيضاحاً، بما أطمئن إليه، والله أعلم، مما هدى إليه النظر في تاريخ الأديان المقارن من أن معجزات الأنبياء سايرت تدرج البشرية في مراحل تطورها من قديمها البدائي إلى عصر رشد الإنسان.
فلقد نلحظ أن موسى عليه السلام تلقى رسالته وقد آن للبشرية أن تجاوز عصر السحر. فكانت معجزته التي غلبت أفانين السحرة في زمنه وتحدت براعة المهرة منهم، ليؤمن المرتابون أن ما جاء به "موسى" ليس في طاقة البشر، ويصدقوا بنبوته فيهديهم برسالته إلى عصر جديد.
لكن اليهود ما لبثوا أن زيفوا الرسالة الموسوية وحرفوا كلمات الله عن مواضعها:
﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ البقرة: ٧٩.
ومضى حين من الدهر ضجت البشرية فيه من شر عصابات من يهود، وتزييفهم رسالة نبيهم فكانوا كما قال الله فيهم:
﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ الجمعة: ٥.
حتى تقلى "عيسى عليه السلام" رسالته وقد آن للبشرية أن تنتقل من عصر عبادة الأبطال البديل من عصر تعدد الآلهة. وإذ كانت البطولة في ذلك الزمن تقترن بالخوارق، جاءت معجزة المسيح الخارقة، لكي يؤمن الناس بنبوته المؤَّيدة بما يجاوز خوارقهم البطولية، فيتبعوه وهو يخلصهم من عبادة الأبطال ويهديهم إلى التوحيد.


الصفحة التالية
Icon