ولا شيء من هذا كله يمكن أن يخرج عن البيان القرآني المعجز، لنحكم به على فصاحة هؤلاء الغابرين، في اللسان العربي!
* * *
وتلقانا هنا أيضاً، في قضية التحدي والمعاجزة، مسألة بالغة الدقة، لما داخلها من التباس، وهي:
هل كان التحدي موجهاً إلى العرب في عصر المبعث، أو إنه قائم أبداً على امتداد الزمان؟
ذهب فريق ممن كتبوا في الإعجاز إلى "اختصاص أهل العصر الأول بالتحدي" وذهب آخرون إلى أنه "تحد لسائر الناس على مر العصور والأجيال".
وتردد بعضهم بين بين، ذهبوا مرة إلى القول الأول، ثم انساقوا إلى القول الثاني من حيث يدرون أو لا يدرون.
وقد أرى أن الخلاف في هذه المسألة الدقيقة يحسمه أن نفرق بين الإعجاز والتحدي:
الإعجاز قائم في كل عصر لا يختص به أهل زمان دون زمان، وهذا هو ما نفهمه من كلام الإمام الطبري عما أيد الله به المصطفى من معجزة "على الأيام باقية، وعلى الدهور والأزمان ثابتة، وعلى مر الشهور والسنين دائمة".
فالحديث هنا عن المعجزة، لا عن التحدي كما فهم من نقل هذه الفقرة من كلام الطبري، واستخلص منها" أن الإعجاز فيها واقع في كل عصر، والتحدي بها لازم لأهل كل زمان".


الصفحة التالية
Icon