الخطباء المصاقع والشعراء المفلقون، وقد وصفهم الله تعالى في كتابه بالجدل واللدد فقال سبحانه:
﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ وقال: ﴿وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾...
ومعلوم بالضرورة أن رجلاً عاقلاً لو عطش عطشاًَ شديداً خاف منه الهلاك على نفسه، وبحضرته ماء معروض للشرب فلم يشربه حتى هلك عطشاً، أنه عاجز عن شربه غير قادر عليه. وهذا بَيَّنٌ واضح لا يشكل على عاقل".
ويؤكد القاضي المعتزلي عبد الجبار هذا الملحظ ويضيف إليه:
"فإن قيل: فقد قال أمية بين خلف الجمحي: "لو نشاء لقلنا مثل هذا". قيل له: إن إدعاء الفعل وإمكانه لا يمنع من الاستدلال على تعذره بأن لا يقع مع توفر الدواعي، يبين لذلك أن كل واحد منا يتمكن من أن يدعى ما يعلم أنه لا يمكنه أن يأتيه.
"فإن قال: فكيف استجاز ذلك مع ظهور كذبه؟ قيل له: لا يمتنع على الواحد والجمع اليسير أن يدعى ما يعلم خلافه، على طريق البَهْتِ والمكابرة، لبعض الأغراض...
"وبعد فإنا لا نُجَوَّز على الجمع اليسير ما ظنه السائل على كل حال، من تواطؤ على ترك المعارضة أو إخفائها، لأنه مع التنافس الشديد والتقريع العظيم وتحرك الطباع ودخول الحمية والأنفة وبطلان الرياسة والأحوال المعتادة والدخول تحت المذلة، لا يجوز في كثير من الأحوال على الواحد أن يسكت عن الأمر الذي يزيل به عن نفسه الوصمة والعار والأنفة، فكيف على الجامعة القليلة أو الكثيرة؟ مثل هذا لا يجوز على عاقل واحد إذا كان من أهل المعرفة فكيف على الجماعة؟


الصفحة التالية
Icon