الوجه، لقد كان القول بالصرفة يقوى من حيث لم تجرِ العادة مع التنافس الشديد وتباين الهمم وامتداد الأوقات، أن يقع الكفُّ عن الأمر المطلوب الذي قويت الدواعي إلى فعله، فكان يصح أن يُتعلق بالصرفة ويراد بها انصرافهم عن المعارضة وإن كانت غير مؤثرة، دون المعارضة المؤثرة، لأن هذه المعارضة يُعلم أنها لا تحصل، بما قدمناه من الأدلة. لكن ذلك يبعد، لأنه متى جُوز في انصرافهم عنها أن يكون الوجه فيه الصرفة، لم يأمن أن تكون المعارضة الصحيحة أيضاً ممكنة وإنما عدلوا عنها للصرفة التي ذكرها السائل وهذا بين فيما أردناه".
و"علي بن عيسى الرماني" وهو من المعتزلة أيضاً، لم يزد في القول بالصرفة، على أن ساقه بإيجاز مع وجوه إعجاز القرآن. قال:
"وأما الصرفة فهي صرف الهمم عن المعارضة، وعللا ذلك كان يعتمد بعض أهل العلم في أن القرآن معجز من جهة صرف الهمم عن المعارضة، وذلك خارج عن العادة كخروج سائر المعجزات التي دلت على النبوة. وهذا عندنا أحد وجوه الإعجاز التي يظهر منها للعقول".
على حين جعل رسالته كلها (النكت في إعجاز القرآن) للحديث عن إعجازه البلاغي، باستثناء الصفحتين الأخيرتين.
ويوشك أن يكون هذا هو الموقف الغالب على المتكلمين في إعجاز القرآن، ممن عدوا الصرفة وجهاً للإعجاز، ثم مضوا ينظرون في بلاغته المعجزة.
فالزمخشري المعتزلى، يقرر أنه "لابد من علم البيان والمعاني لإدراك معجزة رسول الله، - ﷺ -، ومعرفة لطائف حجته".
* * *
وقد خالف أهل السنة، من قالوا بالإعجاز بالصرفة واكتفوا بها عن النظر في المعجزة. قال "الخطابي" بعد أن ساق كلامهم:


الصفحة التالية
Icon