وإن كانت نازلة في الإعراب، ولأن الإحالة بين المضاف والمضاف إليه بالشعر كثيرة.
قال:
................ لِلَّهِ درُّ اليومَ مَنْ لامَها
وقال:
كما خُطّ الكتاب بكفِّ يوماً... يَهودِيٍّ يُقَارِبُ أو يُزيلُ
وقد حيل بينهما بالمفعول، قال:
تَنْفِي يداها الحَصَى فِي كُلِّ هَاجِرَةٍ... نَفْيَ الدَّراهيمِ تَنْقَادُ الصَّيَاريفِ
يريد نفي الصياريف الدراهمَ تنقادها، وقد حيل بينهما بالفاعل، وهم
العجيب. قال:
تَمُرُّ على ما تَسْتِمِرُّ وَقَدْ شَفَتْ... غَلائِلَ عَبْدُ القَيْسِ مِنْهَا صُدُورِهَا
قوله، (هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا).
التأنيث للمعنى، لأنه للأجنة، والتذكير للفظ، وقيل: هي للمبالغة
كالنَّسَّابة، وقيل، هي مصدر كالعافية والعاقبة، وهذا أظهر، قال:
وَكُنْتِ أمنِيَّتِي وَكُنْتِ خَالِصَتِي... وَلَيْس كلُّ امْرِىءٍ بِمُؤتَمَنِ

(١) قال العلامة أبو شامة:
قوله: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ)
قراءة الجماعة على أن شركاؤهم فاعل زين والمفعول قتل المضاف إلى أولادهم وقراءة ابن عامر على أن زين فعل لم يسم فاعله وقتل بالرفع على أنه أقيم مقام الفاعل وأولادهم بالنصب مفعول قتل لأنه مصدر وشركائهم بالجر على إضافة قتل إليه أي قتل شركائهم أولادهم كقولك عرف ضرب زيد عمرا أضيف المصدر إلى الفاعل فانجر وبقي المفعول منصوبا لكن في قراءة ابن عامر زيادة على هذا وهو تقديم المفعول على الفاعل المجرور بالإضافة وسيأتي توجيه ذلك فقوله وزين مبتدأ وفي ضم وكسر في موضع الحال أي كائنا في ضم الزاي وكسر الياء ورفع قتل عطف على وزين أولادهم كذلك على حذف حرف العطف وبالنصب في موضع الحال أي منصوبا وشاميهم تلا جملة من مبتدأ ثان وخبر هي خبر وزين وما بعده أي تلا على هذه الصورة أو يكون وزين وما بعده مفعولا لقوله تلا مقدما عليه أي ابن عامر تلا ذلك وكان التعبير على هذا التقدير يقتضي أن يقول وقتل بالرفع فلم يتزن له فقلب اللفظ لأمن الإلباس لأن من تلا قتل بالرفع فقد تلا الرفع وقيل ورفع قتل مبتدإ خبره محذوف أي وله رفع قتل وله أولادهم بالنصب وقوله وفي مصحف الشامين حذف منه ياء النسبة المشددة وهذا سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى في باب التكبير في قوله وفيه عن المكين أراد أن مصحف أهل الشام الذي أرسله عثمان رضي الله عنه إليهم رسم فيه شركائهم بالياء فدل ذلك على أنه مخفوض فهو شاهد لقراءته كذلك ولكن لا دلالة فيه على نصب أولادهم فهو الذي استنكر من قراءته فيحتمل أن يكون أولادهم مجرورا بإضافة المصدر إلى مفعوله وشركائهم صفة له قال أبو عمرو الداني في مصاحف أهل الشام (أولادهم شركائهم)، بالياء وفي سائر المصاحف شركاؤهم بالواو قال أبو البرهسم في سورة الأنعام في إمام أهل الشام وأهل الحجاز أولادهم شركائهم وفي إمام أهل العراق شركاؤهم قلت ولم ترسم كذلك إلا باعتبار قراءتين فالمضموم عليه قراءة معظم القراء ويحتمل أيضا قراءة أبي عبد الرحمن السلمي على إسناد زين إلى القتل كما فعل ابن عامر ولكنه خفض الأولاد بالإضافة ورفع شركاؤهم على إضمار فعل كأنه قيل من زينه فقال شركاؤهم فهو مثل ما يأتي في سورة النور-يسبح له فيها-بفتح الياء ثم قال رجال أي يسبحه رجال وهي قراءة ابن عامر وأبي بكر وأما خفض شركائهم فيحتمل قراءة ابن عامر ويحتمل أن يكون نعتا للأولاد وعلى قراءة أبي عبد الرحمن السلمي السابقة وهذا أوجه من القراءة لا استبعاد فيه لفظا ولا معنى قال الزجاج وقد رويت شركائهم بالياء في بعض المصاحف ولكن لا يجوز إلا على أن يكون شركاؤهم من نعت أولادهم لأن نعت أولادهم شركاؤهم في أموالهم وقال ابن النحاس فيها أربع قراءات فذكر ما ذكرناه ونسب قراءة السلمي إلى الحسن أيضا ونسب القراءة الرابعة إلى أهل الشام فقال وحكى غير أبي عبيد عن أهل الشام أنهم قرءوا زين بالضم قتل بالرفع وخفض أولادهم شركائهم بالخفض أيضا على أن يبدل شركائهم من أولدهم لأنهم شركاؤهم في النسب والميراث وذكر الفراء القراءتين الأوليين برفع شركائهم ثم قال وفي بعض مصاحف أهل الشام شركائهم بالياء فإن تكن مثبتة عن الأولين فينبغي أن يقرأ زين ويكون الشركاء هم الأولاد لأنهم منهم في النسب والميراث فإن كانوا يقرءون زين بفتح الزاي فلست أعرف جهتها إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون أتيتها عشايا ويقولون في تثنية حمراء حمرايان فهذا وجه أن يكونوا أرادوا (زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم)، يعني بياء مضمومة لأن شركائهم فاعل زين كما هو في القراءة العامة قال وإن شئت جعلت زين فعلا إذا فتحته لا يلبس ثم يخفض الشركاء باتباع الأولاد قلت يعني تقدير الكلام زين مزين فقد اتجه شركائهم بالجر أن يكون نعتا للأولاد سواء قريء زين بالفتح أو بالضم وتفسير الشركاء على قراءة الجماعة هم خدم الأصنام أو الشياطين زينوا للكفرة أن
يقتلوا أولادهم بالوأد وبالنحر للآلهة وعلى قراءة ابن عامر يكون الشركاء هم القاتلين لأنهم لما زينوا للمشركين قتل أولادهم صاروا كأنهم كانوا هم القاتلين في المعنى والله أعلم
(٦٧٢)
وَمَفْعُولُهُ بَيْنَ المُضَافَيْنِ فَاصِل... وَلَمْ يُلْفَ غَيْرُ الظُرْفِ فِي الشِّعْرِ فَيْصَلاَ
يعني أن المفعول في قراءة ابن عامر وهو - أولادهم - الذي هو مفعول القتل وقع فاصلا بين المضاف والمضاف إليه لأن قتل مضاف إلى شركائهم وأكثر النحاة على أن الفصل بين المضافين لا يجوز إلا بالظرف في الشعر خاصة فهذا معنى قوله ولم يلف أي لم يوجد غير الظرف فيصلا بين المضاف والمضاف إليه وأما في كلام غير الشعر فلم يوجد الفصل بالظرف فكيف بغيره ذكر الناظم - رحمه الله - ما اعترض به على قراءة ابن عامر ثم مثل بالظرف فقال
(٦٧٣)
كَلِلَّهِ دَرُّ الْيَوْمَ مَنْ لاَمَهَا فَلاَ تَلُمْ... مِنْ سُلِيمِي النَّحْوِ إِلاَّ مُجَهِّلاَ
أراد بيتا أنشده سيبويه وغيره وهو لعمرو بن قميئة، (لما رأت ساتيذ ما استعبرت لله در اليوم من لامها)، يريد لله در من لامها اليوم أنشد سيبويه أيضا لأبي حية النميري، (كما خط الكتاب بكف يوما يهودي)، أي بكف يهودي يوما وأنشد لدرنا بنت عتبة، (هما أخوا في الحرب من لا أخا له)، أي أخوا من لا أخا له في الحرب قال وقال ذو الرمة، (كأن أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس أصوات الفراريخ)، أي كأن أصوات أواخر الميس وكل هذه الأبيات فصل فيها بالظرف الصريح وبالجار والمجرور بين المضاف والمضاف إليه ولا يجوز ذلك في غير الشعر قال سيبويه في قوله (يا سارق الليلة أهل الدار) بخفض الليلة على التجوز ونصب أهل على المفعولية ولا يجوز يا سارق الليلة أهل الدار إلا في شعر كراهية أن يفصلوا بين الجار والمجرور ثم وقال مما جاء في الشعر قد فصل بينه وبين المجرور قول عمرو بن قميئة فذكر الأبيات المتقدمة وغيرها ثم قال وهذا قبيح ويجوز في الشعر على هذا مررت بخير وأفضل من ثم قال أبو الفتح ابن جني الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف وحرف الجر كثير لكنه من ضرورة الشاعر وقوله مليم هو اسم فاعل من ألام الرجل إذا أتى بما يلام عليه أي من مليم أهل النحو وهو اسم جنس هكذا وقع في روايتنا بلفظ المفرد ولو كان بلفظ الجمع كان أحسن أي من مليمي النحو ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين وتقع كذلك في بعض النسخ وهو الأجود وحذفها إنما جاء من الكاتب لأن الناظم أملى فخفيت الياء على الكاتب لأنها ساقطة في اللفظ أي الذين تعرضوا لإنكار قراءة ابن عامر هذه من النحاة على قسمين منهم من ضعفها ومنهم من جهل قارئها وكلهم قد أتى بما يلام عليه لأنه أنكر قراءة قد صحت عن إمام من أئمة المسلمين لكن من نفى ذلك ولم يجهل فأمره أقرب إذ لم يبلغ علة أكثر من ذلك ومن جهل فقد تعدى طوره فبين أمره ولمه وجهله بما قد خفي عنه فإن هذه القراءة قد نقلها ابن عامر عمن قرأها
عليه ولم يقرأها من تلقاء نفسه وسيأتي توجيهها، قال أبو عبيد وكان عبد الله بن عامر وأهل الشام يقرءونها - زين - بضم الزاي، (قتل)، بالرفع - أولادهم - بالنصب، (شركائهم)، بالخفض ويتأولونه - قتل شركائهم أولادهم - فيفرقون بين الفعل وفاعله قال أبو عبيد ولا أحب هذه القراءة لما فيها من الاستكراه والقراءة عندنا هي الأولى لصحتها في العربية مع إجماع أهل الحرمين والبصرتين بالعراق عليها وقال أبو علي فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول والمفعول به مفعول المصدر وهذا قبيح قليل في الاستعمال ولو عدل عنها إلى غيرها كان أولى ألا ترى أنه إذا لم يفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام وحال السعة مع اتساعهم في الظروف حتى أوقعوها مواقع لا يقع فيها غيرها نحو (إن فيها قوما جبارين)، تلقون للهجر حولا كميلا، (ولا تلحني فيها فإني لحبها أخاك مصاب القلب جم بلا بله)، ألا ترى أنه قد فصل بين أن واسمها بما يتعلق بخبرها ولو كان بغير الظرف لم يجز ذلك فإذا لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام مع اتساعهم في الظرف في الكلام وإنما جاء في الشعر فأن لا يجوز في المفعول به الذي لم يتسع فيه بالفصل به أجدر وقال الزمخشري وأما قراءة ابن عامر بالفصل بينهما بغير الظرف فشيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر لكان سمجا مردودا فكيف به في الكلام المنثور فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته، قال والذي حمله على ذلك أنه رأى في بعض المصاحف - شركائهم - مكتوبا بالياء ولو قريء بجر الأولاد والشركاء لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب، قلت فإلى هذا الكلام وشبهه أشار الناظم يلوم قائله ثم ذكر وجه هذه القراءة فقال
(٦٧٤)
وَمَعْ رَسْمِهِ زَجَّ الْقَلُوصَ أَبِي مَزَادَةَ... اْلأَخْفَشُ النَّحْوِيُّ أَنْشَدَ مُجْمِلاَ
أي ومع كون الرسم شاهدا لقراءة ابن عامر وهو جر - شركائهم - وأما نصب الأولاد فليس فيه إلا النقل المحض لأن الرسم كما يحتمل نصب الأولاد يحتمل أيضا جرها كما سبق وهو الذي رجحه أهل النحو على القول باتباع هذا الرسم أي مع شهادة هذا البيت الذي ورد أيضا بالفصل بين المضافين بالمفعول به وهو ما أنشده الأخفش ولعله أبو الحسن سعد بن مسعدة النحوي صاحب الخليل وسيبويه، (فزججتها بمزجة زج القلوص أبي مزادة)، أي زج أبي مزادة القلوص فالقلوص مفعول ويروي فزججتها متمكنا ويروي فتدافعت قال الفراء في كتاب المعاني بعد إنشاده لهذا البيت وهذا مما كان يقوله نحويو أهل الحجاز ولم نجد مثله في العربية وقال في موضع آخر ونحويو أهل المدينة ينشدون هذا البيت والصواب زج القلوص بالخفض وقال أبو العلاء أحمد بن سليم المعري في كتاب شرح الجمل واختار قوم أن يفصلوا بين المضاف والمضاف إليه بالمصدر كما يفصل بينهما بالظرف قال وليس ذلك ببعيد وقد حكى أن بعض القراء قرأ (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله)، على تقدير مخلف رسله وعده قال وزعموا أن عيسى ابن عمر أنشد هذا البيت، (فزججته متعرضا زج القلوص أبي مزاح)، قال هكذا الرواية عنه وقد روي أبي مزادة قال أبو علي الفارسي وجه ذلك على ضعفه وقلة الاستعمال له أنه قد جاء في الشعر الفصل على حد ما قرأ قال الطرماح، (يطفن بحوزي المراتع لم ترع بواديه


الصفحة التالية
Icon