الغريب: إذا تقدم ذكر أحدهما وأراد ذكر الآخر فيما بعده، جاز
التثنية، كقوله:
ولا أدري إذا يممتُ وجهاً... أريد الخيرَ أيهما يليني
كذلك الآية لما تقدم ذكر الإنس ويأتي ذكر الجن في قوله (وَخَلَقَ الْجَانَّ) أو في قوله: "أَيُّهَ الثَّقَلَانِ" جاز التثنية في الكناية.
العجيب: الخطاب للإنس وحده، وذكر بلفظ التثنية كقوله:
فإن تَزجُراني بابنَ عفانَ أنزجِر... وإن تدعاني أَحم أنفاً مُمَنّعا
وهذه الآية تكررت في السورة إحدى وثلاثين مرة، لأن الإطناب في
الخطب والمقامات والمواعظ أبلغ وأحسن، وقيل: لأن كل واحد منها غير
الأول فاقتضى من التقدير ما اقتضى الآخر، وما في السورة من ذكر الشدائد
والنار، والنعمة فيه من وجهين: أحدهما: صرفها عن المؤمنين إلى الأعداء.
وتلك نعمة عظيمة، والثاني: أن اجتهاد الإنسان رهبة مما يؤلمه أكثر من
اجتهاده رغبة فيما ينعمه. وخصت بهذا العدد، لأن ثمانية منها ذكرت عقيب
آيات فيها ذكر عجائب خلق الله وبدائع صنعه ومبدأ الخلق ومعادهم.
وسبعة ذكرت عقيب آيات فيها ذكر النار وشدائدها على عدد أبواب جهنم، وبعدها ثمانية في وصف الجنان وأهلها، على عدد أبواب الجنة، وثمانية
أخرى للجنة التي بعدها فيهما جنتان، لقوله (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)، فمن اعتقد الثمانية الأولى وعمل بموجبها استحق كلتا الثمانيتين
من الله ووقاه السبعة السابعة - والله أعلم -.


الصفحة التالية
Icon