وَإِنَّ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا كَانَ فِي زَمَانٍ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَخِيهِ بَعْدَهُ، وَإِذَا كَذَبَ مُتَعَمِّدًا لَمْ يُوَلَّ الْمُلْكَ.
فَمَاتَ الْمَلِكُ وَوُلِّيَ أَخُوهُ، فَأَرَادَ الْمَلِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَخِيهِ الْمَلِكِ الَّذِي مَاتَ، فَسَأَلَهُمْ فَرَخَّصُوا لَهُ، فَسَأَلَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، فَأَبَى أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَحَقَدَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةُ أَخِيهِ، وَجَاءَتْ بِابْنَةِ أَخِي الْمَلِكِ الأَوَّلِ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: سَلِينِي الْيَوْمَ حُكْمَكِ، فَقَالَتْ: حَتَّى أَنْطَلِقَ إِلَى أُمِّي، فَلَقِيَتْ أُمَّهَا فَقَالَتْ: قُولِي لَهُ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَفِيَ لَنَا بِشَيْءٍ فَأَعْطِنِي رَأْسَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ، فَقَالَ: قُولِي لَهَا:
غَيْرُ هَذَا خَيْرٌ لَكِ مِنْهُ، قَالَ: فَأَبَتْ، وَتَكْرَهُ أَنْ يَخْلُفَهَا فَلا يُوَلَّى الْمُلْكَ، فَدَفَعَ إِلَيْهَا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّاءَ.
فَلَمَّا وَضَعَتِ الشَّفْرَةَ عَلَى حَلْقِهِ قَالَ: قُولِي: بِسْمِ اللَّهِ.
هَذَا مَا بَايَعَ عَلَيْهِ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَى أَلا يَزْنِيَ، وَلا يَسْرِقَ، وَلا يَلْبِسَ إِيمَانَهُ بِسُوءٍ.
فَلَمَّا أَمَرَّتِ الشَّفْرَةَ عَلَى أَوْدَاجِهِ فَذَبَحَتْهُ نَادَاهَا مُنَادٍ مِنْ فَوْقِهَا، فَقَالَ: يَا رَبَّةَ الْبَيْتِ الْخَاطِئَةَ الْغَاوِيَةَ، قَالَتْ: إِنَّهَا كَذَلِكَ، فَمَا تُرِيدُ مِنْهَا؟ قَالَ: لَتُبَشَّرْ فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا تَدْخُلُ النَّارَ.
قَالَ: وَخُسِفَ بِابْنَتِهَا فَجَاءُوا بِالْمَعَاوِلِ فَجَعَلُوا يَحْفِرُونَ عَنْهَا وَتَدْخُلُ فِي الأَرْضِ حَتَّى ذَهَبَتْ.
قَالَ: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ [الإسراء: ٨] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فَعَادَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِعَائِدَتِهِ.
قَالَ: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ [الإسراء: ٨] عَلَيْكُمْ بِالْعُقُوبَةِ.
كَانَ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ هَذَا كَائِنٌ كُلَّهُ.
قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ [الإسراء: ٨] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَنَّ اللَّهَ عَادَ لَهُمْ بِمُحَمَّدٍ فَأَذَلَّهُمْ بِالْجِزْيَةِ.