وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا لَمَّا أَقْبَلَتْ إِلَى سُلَيْمَانَ، خَافَتِ الشَّيَاطِينُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَقَالُوا: قَدْ كُنَّا نَلْقَى مِنْ سُلَيْمَانَ مِنَ السُّخْرَةِ مَا نَلْقَى، فَكَيْفَ إِذَا اجْتَمَعَ عَقْلُ هَذِهِ وَتَدْبِيرُهَا مَعَ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَنُبُوَّتِهِ؟ مَعَ أَنَّ أُمَّهَا كَانَتْ مِنَ الْجِنِّ، الآنَ حِينَ هَلَكْتُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَا أَصْرِفُ سُلَيْمَانَ عَنْهَا حَتَّى لا يَتَزَوَّجَهَا، فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ لَمْ تَلِدْ جِنِّيَّةٌ قَطُّ مِنْ إِنْسِيٍّ إِلا كَانَ أَحَدُ رِجْلَيْهَا رِجْلَ حِمَارٍ،
فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ سُلَيْمَانَ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ يُحِبُّ كُلَّ مَا وَافَقَ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَنَا أَعْمَلُ لَكَ شَيْئًا تَرَى ذَلِكَ مِنْهَا، فَعَمِلَ الصَّرْحَ، فَلَمَّا جَاءَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةَ مَاءٍ فَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا، فَرَأَى سُلَيْمَانُ قَدَمَيْهَا قَدَمَيْ إِنْسَانٍ، وَرَأَى عَلَى سَاقَيْهَا شَعْرًا كَثِيرًا، فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الْجِنِّيُّ الَّذِي كَانَ يُحِبُّ كُلَّ مَا يُوَافِقُ سُلَيْمَانَ: أَنَا أَعْمَلُ لَكَ مَا يَذْهَبُ بِهِ ذَلِكَ الشَّعْرُ، فَعَمِلَ
النَّوْرَةَ وَالْحَمَّامَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا عَمِلَ الْحَمَّامُ وَالنَّوْرَةُ، وَتَزَوَّجَهَا سُلَيْمَانُ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ.
﴿قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ﴾ [النمل: ٤٤] قَالَ سُلَيْمَانُ: ﴿إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ [النمل: ٤٤]، أَيْ: أَنِّي أَضْرَرْتُ نَفْسِي.


الصفحة التالية
Icon