هَذَا مِنْ خَطِيئَتِي أَوْ قَالَ: مِنْ ذَنْبِي أَوْ كَمَا قَالَ.
فَقَالَ لأَهْلِ السَّفِينَةِ: شُدُّونِي وَثَاقًا وَأَلْقُونِي فِي الْبَحْرِ فَقَالُوا: مَا كُنَّا لِنَفْعَلَ وَحَالُكَ حَالُكَ، وَلَكِنْ نَقْتَرِعُ فَمَنْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَلْقَيْنَاهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا رَكَدَتِ السَّفِينَةُ فَلَمْ تَسِرْ، لَفَّ نَفْسَهُ فِي كِسَائِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَطْرَحَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ فَقَالُوا: لا، وَلَكِنَّا نَقْتَرِعُ، فَمَنْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَلْقَيْنَاهُ فِي الْبَحْرِ، فَاقْتَرَعُوا، فَأَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكُمْ، فَقَالُوا: مَا كُنَّا
لِنَفْعَلَ، وَلَكِنِ اقْتَرِعُوا، فَاقْتَرَعُوا الثَّانِيَةَ فَأَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ، ثُمَّ اقْتَرَعُوا الثَّالِثَةَ، فَأَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ [الصافات: ١٤١]، أَيْ: مِنَ الْمَقْرُوعِينَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِنَ الْمَسْهُومِينَ، أَيْ: وَقَعَ السَّهْمُ عَلَيْهِ.
فَانْطَلَقَ إِلَى صَدْرِ السَّفِينَةِ لَيُلْقِيَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ، فَإِذَا هُوَ بِحُوتٍ فَاتِحٍ فَاهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى ذَنَبِ السَّفِينَةِ، فَإِذَا هُوَ بِالْحُوتِ فَاتِحًا فَاهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى جَنْبِ السَّفِينَةِ، فَإِذَا هُوَ بِالْحُوتِ فَاتِحًا فَاهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْجَنْبِ الآخَرِ فَإِذَا هُوَ بِالْحُوتِ فَاتِحًا فَاهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَلْقَى نَفْسَهُ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ: لا تَأْكُلْ عَلَيْهِ وَلا تَشْرَبْ، وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَجْعَلْهُ لَكَ رِزْقًا وَلَكِنِّي جَعَلْتُ بَطْنَكَ
لَهُ سِجْنًا، فَمَكَثَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾ [الأنبياء: ٨٧] كَمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧].
قَالَ اللَّهُ: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ [الأنبياء: ٨٨] وَالظُّلُمَاتُ: ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ وَظُلْمَةُ بَطْنِ الْحُوتِ.
قَالَ: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٨].
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ أَنْ يُلْقِيَهُ إِلَى الْبَرِّ.
قَالَ اللَّهُ: ﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ [الصافات: ١٤٥] وَهُوَ ضَعِيفٌ مِثْلُ الصَّبِيِّ، فَأَصَابَتْهُ حَرَارَةُ الشَّمْسِ، فَأَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ ﴿شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ﴾ [الصافات: ١٤٦] وَهِيَ الْقَرْعُ، فَأَظَلَّتْهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ يَبُسَتْ فَحَزِنَ عَلَيْهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَحَزِنْتَ عَلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَأَرَدْتَ أَنْ أُهْلِكَ مِائَةَ أَلْفٍ مِنْ خَلْقِي أَوْ يَزِيدُونَ؟ أَيْ: بَلْ يَزِيدُونَ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا عِشْرِينَ وَمِائَةَ أَلْفٍ، فَعَلِمَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدِ ابْتُلِيَ، فَانْطَلَقَ فَإِذَا هُوَ بِذَوْدٍ مِنْ غَنَمٍ، فَقَالَ لِلرَّاعِي: اسْقِنِي لَبَنًا، فَقَالَ: مَا هَاهُنَا شَاةٌ لَهَا


الصفحة التالية
Icon