٣ -
﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبّهَا﴾ أَيْ قَبِلَ مَرْيَم مِنْ أُمّهَا ﴿بِقَبُولٍ حَسَن وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ أَنْشَأَهَا بِخُلُقٍ حَسَن فَكَانَتْ تَنْبُت فِي الْيَوْم كَمَا يَنْبُت الْمَوْلُود فِي الْعَام وَأَتَتْ بِهَا أُمّهَا الْأَحْبَار سَدَنَة بَيْت الْمَقْدِس فَقَالَتْ دُونكُمْ هَذِهِ النَّذِيرَة فَتَنَافَسُوا فِيهَا لِأَنَّهَا بِنْت إمَامهمْ فَقَالَ زَكَرِيَّا أَنَا أَحَقّ بِهَا لِأَنَّ خَالَتهَا عِنْدِي فَقَالُوا لَا حَتَّى نَقْتَرِع فَانْطَلَقُوا وَهُمْ تِسْعَة وَعِشْرُونَ إلَى نَهْر الْأُرْدُنّ وَأَلْقَوْا أَقْلَامهمْ عَلَى أَنَّ مَنْ ثَبَتَ قَلَمه فِي الْمَاء وَصَعِدَ أَوْلَى بِهَا فَثَبَتَ قَلَم زَكَرِيَّا فَأَخَذَهَا وَبَنَى لَهَا غُرْفَة فِي الْمَسْجِد بِسُلَّمٍ لَا يَصْعَد إلَيْهَا غَيْره وَكَانَ يَأْتِيهَا بِأَكْلِهَا وَشُرْبهَا وَدُهْنهَا فَيَجِد عِنْدهَا فَاكِهَة الصَّيْف فِي الشِّتَاء وَفَاكِهَة الشِّتَاء في الصيف كما قال تعالى ﴿وكفلها زكريا﴾ ضَمَّهَا إلَيْهِ وَفِي قِرَاءَة بِالتَّشْدِيدِ وَنَصْب زَكَرِيَّا مَمْدُودًا وَمَقْصُورًا وَالْفَاعِل اللَّه ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب﴾ الْغُرْفَة وَهِيَ أَشْرَف الْمَجَالِس ﴿وَجَدَ عِنْدهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَم أَنَّى﴾ مِنْ أَيْنَ ﴿لَك هَذَا قَالَتْ﴾ وَهِيَ صَغِيرَة ﴿هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه﴾ يَأْتِينِي بِهِ مِنْ الْجَنَّة ﴿إنَّ اللَّه يَرْزُق مَنْ يَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب﴾ رِزْقًا وَاسِعًا بِلَا تَبَعَة
٣ -
﴿هُنَالِكَ﴾ أَيْ لَمَّا رَأَى زَكَرِيَّا ذَلِكَ وَعَلِمَ أَنَّ الْقَادِر عَلَى الْإِتْيَان بِالشَّيْءِ فِي غَيْر حِينه قَادِر عَلَى الْإِتْيَان بِالْوَلَدِ عَلَى الْكِبَر وَكَانَ أَهْل بَيْته انْقَرَضُوا ﴿دَعَا زَكَرِيَّا رَبّه﴾ لَمَّا دَخَلَ الْمِحْرَاب لِلصَّلَاةِ جَوْف اللَّيْل ﴿قَالَ رَبّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْك﴾ مِنْ عِنْدك ﴿ذُرِّيَّة طَيِّبَة﴾ وَلَدًا صَالِحًا ﴿إنَّك سَمِيع﴾ مُجِيب ﴿الدعاء﴾
٣ -
﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَة﴾ أَيْ جِبْرِيل ﴿وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي الْمِحْرَاب﴾ أَيْ الْمَسْجِد ﴿أَنَّ﴾ أَيْ بِأَنَّ وفي قراءة بالكسر بتقديره الْقَوْل ﴿اللَّه يُبَشِّرك﴾ مُثَقَّلًا وَمُخَفَّفًا ﴿بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ﴾ كَائِنَة ﴿مِنْ اللَّه﴾ أَيْ بِعِيسَى أَنَّهُ رُوح اللَّه وَسُمِّيَ كَلِمَة لِأَنَّهُ خُلِقَ بِكَلِمَةِ كُنْ ﴿وَسَيِّدًا﴾ مَتْبُوعًا ﴿وَحَصُورًا﴾ مَمْنُوعًا مِنْ النِّسَاء ﴿وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ﴾ رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَل خَطِيئَة وَلَمْ يَهِمّ بِهَا
٤ -
﴿قَالَ رَبّ أَنَّى﴾ كَيْفَ ﴿يَكُون لِي غُلَام﴾ وَلَد ﴿وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَر﴾ أَيْ بَلَغْت نِهَايَة السِّنّ مِائَة وَعِشْرِينَ سَنَة ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِر﴾ بَلَغَتْ ثَمَانِيَة وَتِسْعِينَ سَنَة ﴿قَالَ﴾ الْأَمْر ﴿كَذَلِكَ﴾ مِنْ خَلْق اللَّه غُلَامًا مِنْكُمَا ﴿اللَّه يَفْعَل مَا يَشَاء﴾ لَا يُعْجِزهُ عَنْهُ شَيْء وَلِإِظْهَارِ هَذِهِ الْقُدْرَة الْعَظِيمَة أَلْهَمَهُ السُّؤَال لِيُجَابَ بِهَا وَلَمَّا تَاقَتْ نَفْسه إلَى سُرْعَة الْمُبَشَّر بِهِ
٤ -
﴿قَالَ رَبّ اجْعَلْ لِي آيَة﴾ أَيْ عَلَامَة على حمل امرأتي ﴿قال آيتك﴾ عليه ﴿أ﴾ ن ﴿لا تُكَلِّم النَّاس﴾ أَيْ تَمْتَنِع مِنْ كَلَامهمْ بِخِلَافِ ذِكْر اللَّه تَعَالَى ﴿ثَلَاثَة أَيَّام﴾ أَيْ بِلَيَالِيِهَا ﴿إلَّا رَمْزًا﴾ إشَارَة ﴿وَاذْكُرْ رَبّك كَثِيرًا وَسَبِّحْ﴾ صَلِّ ﴿بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَار﴾ أَوَاخِر النَّهَار وَأَوَائِله


الصفحة التالية
Icon