ويبشرها بِعِيسَى وَكَانَت قد اغْتَسَلت من الْمَحِيض فتشرفت وَجعلت بَينهَا وَبَين قَومهَا ﴿حِجَابا﴾ يَعْنِي جبلا فَكَانَ الْجَبَل بَين مجلسها وَبَين بَيت الْمُقَدّس ﴿فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا﴾ يَعْنِي جِبْرِيل ﴿فتمثل لَهَا بشرا﴾ فِي صُورَة الْآدَمِيّين ﴿سوياً﴾ يَعْنِي معتدلاً شَابًّا أَبيض الْوَجْه جَعدًا قططاً حِين اخضر شَاربه فَلَمَّا نظرت إِلَيْهِ قَائِما بَين يَديهَا
﴿قَالَت إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقياً﴾ وَذَلِكَ أَنَّهَا شبهته بشاب كَانَ يَرَاهَا وَيَمْشي مَعهَا يُقَال لَهُ يُوسُف من بني إِسْرَائِيل وَكَانَ من خدم بَيت الْمُقَدّس فخافت أَن يكون الشَّيْطَان قد استزه فَمن ثمَّ قَالَت: ﴿إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقياً﴾ يَعْنِي إِن كنت تخَاف الله
قَالَ جِبْرِيل: وَتَبَسم ﴿إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكياً﴾ يَعْنِي لله مُطيعًا من غير بشر
﴿قَالَت أَنى يكون لي غُلَام وَلم يمسسني بشر﴾ يَعْنِي زوجا ﴿وَلم أك بغياً﴾ أَي مومسة
قَالَ جِبْرِيل: ﴿كَذَلِك﴾ يَعْنِي هَكَذَا ﴿قَالَ رَبك هُوَ على هَين﴾ يَعْنِي خلقه من غير بشر
﴿ولنجعله آيَة للنَّاس﴾ يَعْنِي عِبْرَة وَالنَّاس هُنَا للْمُؤْمِنين خَاصَّة وَرَحْمَة لكمن صدق بِأَنَّهُ رَسُول الله
﴿وَكَانَ أمرا مقضياً﴾ يَعْنِي كَائِنا أَن يكون من غير بشر
فَدَنَا جِبْرِيل فَنفخ فِي جيبها فَدخلت النفخة جوفها فاحتملت كَمَا تحمل النِّسَاء فِي الرَّحِم والمشيمة وَوَضَعته كَمَا تضع النِّسَاء فأصابها الْعَطش فَأجرى الله لَهَا جدولاً من الْأُرْدُن فَذَلِك قَوْله: ﴿قد جعل رَبك تَحْتك سَرياًّ﴾ وَالسري الْجَدْوَل
وَحمل الْجذع من سَاعَته ﴿رطبا جنياً﴾ فناداها من تحتهَا جِبْرِيل ﴿وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة﴾ لم يكن على رَأسهَا سقف وَكَانَت قد يَبِسَتْ مُنْذُ دهر طَوِيل فأحياها الله لَهَا وحملت فَذَلِك قَوْله: ﴿تساقط عَلَيْك رطبا جنياً﴾ يَعْنِي طرياً بغباره ﴿فكلي﴾ من الرطب ﴿واشربي﴾ من الْجَدْوَل ﴿وقري عينا﴾ بولدك
فَقَالَ: فَكيف بِي إِذا سَأَلُونِي من أَيْن هَذَا
قَالَ لَهَا جِبْرِيل: ﴿فإمَّا تَرين﴾ يَعْنِي فَإِذا رَأَيْت ﴿من الْبشر أحدا﴾ فأعنتك فِي أَمرك ﴿فَقولِي إِنِّي نذرت للرحمن صوما﴾ يَعْنِي صمتا فِي أَمر عِيسَى ﴿فَلَنْ أكلم الْيَوْم إنسياً﴾ فِي أمره
حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يعبر عني وَعَن نَفسه
قَالَ: ففقدوا مَرْيَم من مِحْرَابهَا فسألوا يُوسُف فَقَالَ: لَا علم لي بهَا وَأَن مِفْتَاح مِحْرَابهَا مَعَ زَكَرِيَّا
فطلبوا زَكَرِيَّا وفتحوا الْبَاب وَلَيْسَت فِيهِ فاتهموه فَأَخَذُوهُ ووبخوه فَقَالَ رجل: إِنِّي رَأَيْتهَا فِي مَوضِع كَذَا فَخَرجُوا فِي طلبَهَا فَسَمِعُوا صَوت عقيق فِي رَأس الْجذع الَّذِي مَرْيَم من تَحْتَهُ فَانْطَلقُوا إِلَيْهِ فَذَلِك قَول


الصفحة التالية
Icon