شعر مثل النيازك وَعَاد الشعبتان فهما مثل القليب الْوَاسِع فِيهِ أضراس وأنياب لَهَا صريف فَلَمَّا عاين ذَلِك مُوسَى (ولى مُدبرا وَلم يعقل) (النَّمْل آيَة ١٠) فَذهب حَتَّى أمعن وَرَأى أَنه قد أعجز الْحَيَّة ثمَّ ذكر ربه فَوقف استحياء مِنْهُ ثمَّ ﴿نُودي يَا مُوسَى﴾ أَن ارْجع حَيْثُ كنت فَرجع وَهُوَ شَدِيد الْخَوْف فَقَالَ: خُذْهَا بيمينك وَلَا تخف سنعيدها سيرتها الأولى
قَالَ: وَكَانَ على مُوسَى حِينَئِذٍ مدرعة فَجَعلهَا فِي يَده فَقَالَ لَهُ ملك: أَرَأَيْت يَا مُوسَى لَو أذن الله بِمَا تحاذر أَكَانَت المدرعة تغني عَنْك شَيْئا قَالَ: لَا
وَلَكِنِّي ضَعِيف وَمن ضعف خلقت
فكشف عَن يَده ثمَّ وَضعهَا على فَم الْحَيَّة ثمَّ سمع حس الأضراس والأنياب ثمَّ قبض فَإِذا هِيَ عَصَاهُ الَّتِي عهدها وَإِذا يَده فِي موضعهَا الَّذِي كَانَ يَضَعهَا إِذا تؤكأ بَين الشعبتين
قَالَ لَهُ ربه: ادن
فَلم يزل يدينه - حَتَّى شدّ ظَهره بجذع الشَّجَرَة
فاستقر وَذَهَبت عَنهُ الرعدة وَجمع يَدَيْهِ فِي الْعَصَا وخضع بِرَأْسِهِ وعنقه ثمَّ قَالَ لَهُ: إِنِّي قد أقمتك الْيَوْم فِي مقَام لَا يَنْبَغِي لبشر بعْدك أَن يقوم مقامك
إِذْ أدنيتك وقربتك حَتَّى سَمِعت كَلَامي وَكنت بأقرب الْأَمْكِنَة مني فَانْطَلق برسالتي فَإنَّك بعيني وسمعي وَإِن مَعَك يَدي وبصري وَإِنِّي قد ألبستك جُبَّة من سلطاني لتكمل بهَا القوّة فِي أَمْرِي فَأَنت جند عَظِيم من جنودي بَعَثْتُك إِلَى خلق ضَعِيف من خلقي بطر من نعمتي وَأمن مكري وغرته الدُّنْيَا حَتَّى جحد حَقي وَأنكر ربوبيتي وعد من دوني وَزعم أَنه لَا يعرفنِي وَإِنِّي لأقسم بعزتي: لَوْلَا الْعذر وَالْحجّة الَّتِي وضعت بيني وَبَين خلقي
لبطشت بِهِ بطشة جَبَّار - يغْضب لغضبه السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال والبحار - فَإِن أمرت السَّمَاء حصبته وَإِن أمرت الأَرْض ابتلعته وَإِن أمرت الْبحار غرقته وَإِن أمرت الْجبَال دمرته وَلكنه هان عليّ وَسقط من عَيْني وَسعَهُ حلمي واستغنيت بِمَا عِنْدِي وَحقّ لي أَنِّي أَنا الْغَنِيّ لَا غَنِي غَيْرِي فَبَلغهُ رسالتي وادعه إِلَى عبادتي وتوحيدي وإخلاص اسْمِي وَذكره بآياتي وحذره نقمتي وبأسي وَأخْبرهُ أَنه لَا يقوم شَيْء لغضبي وَقل لَهُ فِيمَا بَين ذَلِك: ﴿قولا لينًا لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى﴾ وَأخْبرهُ أَنِّي أَنا الْعَفو وَالْمَغْفِرَة أسْرع مني إِلَى الْغَضَب والعقوبة وَلَا يروعنك مَا ألبسته من لِبَاس الدُّنْيَا فَإِن ناصيته بيَدي لَيْسَ يطرف وَلَا ينْطق وَلَا يتنفس إِلَّا بإذني