فَلبس قَمِيصًا من قطن وَكسَاء من صوف ثمَّ جعل يعْمل ويحفر بقوته فَقَالَ رجل: يَا عبد الله أتؤجر نَفسك مشاهرة
شهرا بِشَهْر تقوم على دَوَاب لي قَالَ: نعم
فَكَانَ صَاحب الدَّوَابّ يَغْدُو كل يَوْم ينظر إِلَى دوابه فَإِذا رأى مِنْهَا دَابَّة ضامرة أَخذ بِرَأْسِهِ فوجأ عُنُقه ثمَّ يَقُول لَهُ: سرقت شعير هَذِه البارحة
فَلَمَّا رأى الْمُؤمن الشدَّة قَالَ: لَآتِيَن شَرِيكي الْكَافِر فلأعملن فِي أرضه يطعمني هَذِه الكسرة يَوْمًا بِيَوْم ويكسيني هذَيْن الثَّوْبَيْنِ إِذا بليا
فَانْطَلق يُريدهُ فَانْتهى إِلَى بَابه وهم مُمْسٍ فَإِذا قصر فِي السَّمَاء وَإِذا حوله البوابون فَقَالَ لَهُم: اسْتَأْذنُوا لي صَاحب هَذَا الْقصر فَإِنَّكُم إِن فَعلْتُمْ ذَلِك سره فَقَالُوا لَهُ: انْطلق فَإِن كنت صَادِقا فنم فِي نَاحيَة فَإِذا أَصبَحت فتعرض لَهُ فَانْطَلق الْمُؤمن فَألْقى نصف كسائه تَحْتَهُ وَنصفه فَوْقه ثمَّ نَام فَلَمَّا أصبح أَتَى شَرِيكه فتعرض لَهُ فَخرج شَرِيكه وَهُوَ رَاكب فَلَمَّا رَآهُ عرفه فَوقف فَسلم عَلَيْهِ وَصَافحهُ ثمَّ قَالَ لَهُ: ألم تَأْخُذ من المَال مثل مَا أخذت فَأَيْنَ مَالك قَالَ: لَا تَسْأَلنِي عَنهُ قَالَ: فَمَا جَاءَ بك قَالَ: جِئْت أعمل فِي أَرْضك هَذِه تطعمني هَذِه الكسرة يَوْمًا بِيَوْم وتكسوني هذَيْن الثَّوْبَيْنِ إِذا بليا قَالَ: لَا ترى مني خيرا حَتَّى تُخبرنِي مَا صنعت فِي مَالك قَالَ: أَقْرَضته من الْمَلأ الوفي قَالَ: من قَالَ: الله رَبِّي وَهُوَ مصافحه فَانْتزع يَده ثمَّ قَالَ ﴿أئنك لمن المصدقين أئذا متْنا وَكُنَّا تُرَابا وعظاماً أئنا لمدينون﴾ وَتَركه فَلَمَّا رَآهُ الْمُؤمن لَا يلوي عَلَيْهِ رَجَعَ وَتَركه يعِيش الْمُؤمن فِي شدَّة من الزَّمَان ويعيش الْكَافِر فِي رخاء من الزَّمَان
فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة وَأدْخل الله الْمُؤمن الْجنَّة يمر فَإِذا هُوَ بِأَرْض ونخل وأنهار وثمار فَيَقُول: لمن هَذَا فَيُقَال: هَذَا لَك فَيَقُول: أَو بلغ من فضل عَمَلي أَن أثاب بِمثل هَذَا ثمَّ يمر فَإِذا هُوَ برقيق لَا يُحْصى عَددهمْ فَيَقُول: لمن هَذَا فَيُقَال: هَؤُلَاءِ لَك فَيَقُول: أَو بلغ من فضل عَمَلي أَن أثاب بِمثل هَذَا ثمَّ يمر فَإِذا هُوَ بقبة من ياقوتة حَمْرَاء مجوفة فِيهَا حوراء عين فَيَقُول: لمن هَذِه فَيُقَال: هَذِه لَك فَيَقُول: أَو بلغ من فضل عَمَلي أَن أثاب بِمثل هَذَا ثمَّ يذكر شَرِيكه الْكَافِر فَيَقُول ﴿إِنِّي كَانَ لي قرين يَقُول أئنك لمن المصدقين﴾ فالجنة عالية وَالنَّار هاوية فيريه الله شَرِيكه فِي وسط الْجَحِيم من بَين أهل النَّار فَإِذا رَآهُ عرفه الْمُؤمن فَيَقُول ﴿قَالَ تالله إِن كدت لتردين وَلَوْلَا نعْمَة رَبِّي لَكُنْت من المحضرين أفما نَحن بميتين إِلَّا موتتنا الأولى وَمَا نَحن بمعذبين إِن هَذَا لَهو الْفَوْز الْعَظِيم لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ﴾


الصفحة التالية
Icon