قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ -[١٣٩]-: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ: «بِمَ أَهْلَلْتَ؟» فَقُلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟» قُلْتُ: لَا قَالَ: «فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَحُلَّ» فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَّطَتْنِي وَغَسَلَتْ رَأْسِي فَلَمْ أَزَلْ أُفْتِي النَّاسَ بِذَلِكَ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَإِمَارَةِ عُمَرَ فَإِنِّي لَقَائِمٌ بِالْمَوْسِمِ إِذْ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النُّسُكِ، فَقُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَفْتَيْنَاهُ بِشَيْءٍ فَلْيَتَّئِدْ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ فَأْتَمُّوا بِهِ فَلَمَّا قَدِمَ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَحْدَثْتَ فِي النُّسُكِ؟ قَالَ: أَنْ نَأْخُذَ بِكِتَابِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ -[١٤٠]- جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَأَنْ نَأْخُذَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَوْلُهُ: فَلْيَتَّئِدْ مَعْنَاهُ فَلْيَتَثَبَّثْ، مُشْتَقٌّ مِنَ التُّؤَدَةِ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يَحِلَّ أَيْ: لَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ، أَيْ: لَمْ يَسْتَحِلَّ لُبْسَ الثِّيَابِ وَالطِّيبَ وَمَا أَشْبَهَهُمَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرُ أَبِي مُوسَى بِالتَّمَتُّعِ وَفِيهِ أَنَّ أَبَا مُوسَى تَوَقَّفَ عَنِ الْفُتْيَا بِالتَّمَتُّعِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ وَافَىَ عُمَرَ فَلَمَّا وَافَى عُمَرَ مَنَعَ مِنَ التَّمَتُّعِ فَلَمْ يَرُادَّهُ أَبُو مُوسَى، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَازَ غَيْرَهُ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا اخْتَارَ قَوْلًا يَجُوزُ وَيَجُوزُ غَيْرُهُ وَجَبَ أَنْ لَا يُخَالَفَ عَلَيْهِ وَنَظِيرُ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» فَرَأَى عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُزِيلَ مِنْهَا سِتَّةً وَأَنْ يَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يُخَالِفْهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ حَتَّى قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ -[١٤١]- عَنْهُ: «لَوْ كُنْتُ مَوْضِعَهُ لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ» وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي مُوسَى: «طُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَحُلَّ» وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: احْلَقْ وَلَا قَصِّرْ فَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ وَالتَّقْصِيرَ غَيْرُ وَاجِبَيْنِ وَفِيهِ أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ هَذَا جَائِزٌ لِمَنْ فَعَلَهُ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُلَبِّيَ الرَّجُلُ وَلَا يُرِيدُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً ثُمَّ يُوجِبُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ وَاسْتَدَلَ قَائِلَ هَذَا عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّى مَرَّةً بِالْإِفْرَادِ وَمَرَّةً بِالتَّمَتُّعِ وَمَرَّةً بِالْقِرَانِ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَرَنَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارِنًا وَإِذَا كَانَ قَارِنًا فَقَدْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ، وَاتَّفَقَتِ الْأَحَادِيثُ وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَقَالَ مَنْ رَآهُ تَمَتَّعَ ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ فَقَالَ مَنْ رَآهُ أَفْرَدَ ثُمَّ قَالَ: «لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ» فَقَالَ مَنْ سَمِعَهُ: قَرَنَ فَاتَّفَقَتِ الْأَحَادِيثُ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَفْرَدْتُ وَلَا تَمَتَّعْتُ وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «قَرَنْتُ»