قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ: وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ خَالِدٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: " مَرَرْتُ بِنَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ -[١٥٠]- وَالْأَنْصَارِ فَقَالُوا لِي: تَعَالَ نُطْعِمْكَ وَنَسْقِيكَ خَمْرًا وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ: فَأَتَيْتُهُمْ فِي حَشٍّ قَالَ وَالْحَشُّ الْبُسْتَانُ فَإِذَا عِنْدَهُمْ رَأْسُ جَزُورٍ مَشْوِيٌّ وَزِقُّ خَمْرٍ فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا فُذِكَرَتِ الْأَنْصَارُ فَقُلْتُ: الْمُهَاجِرُونَ خَيْرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَحَدَ لَحْيَيِ الرَّأْسِ فَجَرَحَ بِهِ أَنْفِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَنَزَلَتْ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ﴾ [المائدة: ٩٠] " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فِي حَيَّيْنِ مِنْ قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ لَمَّا ثَمِلُوا شَجَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَوَقَعَتْ بَيْنَهُمُ الضَّغَائِنُ فَنَزَلَتْ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ﴾ [المائدة: ٩٠] إِلَى ﴿مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: ٩١] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ وَمِنَ الْحُجَّةِ لِذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ: تَحْرِيمُ الْخَمْرِ بِآيَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ ﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢١٩] وَبِقَوْلِهِ ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ﴾ [الأعراف: ٣٣] فَلَمَّا حَرَّمَ الْإِثْمَ وَأَخْبَرَ أَنَّ فِيَ الْخَمْرَ إِثْمًا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ يُقَالُ لَهَا الْإِثْمُ فَغَيْرُ مَعْرُوفٍ مِنْ حَدِيثٍ وَلَا لُغَةٍ -[١٥١]- وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ جَائِزٌ وَأَبَيْنُ مِنْهُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ [المائدة: ٩٠] وَإِذَا نَهَى اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عَنْ شَيْءٍ فَهُوَ مُحَرَّمٌ وَفِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ فَمِنْ ذَلِكَ ثَمِلُوا مَعْنَاهُ: سَكِرُوا، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِي فِي حَدِيثِ سَعْدٍ: فَفَزَرَ بِهِ أَنْفِي، أَيْ فَلَقَهُ وَشَقَّهُ وَمِنْهُ فَزَرْتُ الثَّوْبَ، وَالْفِزْرُ الْقِطْعَةُ مِنَ الْغَنَمِ وَفِي الْأَحَادِيثِ فِي سَبَبِ نُزُولِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أَسْبَابٌ يَقُولُ الْقَائِلُ: كَيْفَ يَتَّفِقُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ شَيْئًا وَسَعْدٌ يَقُولُ غَيْرَهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ أَتَى بِسِوَاهُمَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ مُتَّفِقَةٌ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ بَيَانًا شَافِيًا فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَلَمْ يَقُلْ: نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ لَا فِي غَيْرِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُ عُمَرَ وَافَقَ مَا كَانَ مِنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَمِنَ الْحَيَّيْنِ اللَّذَيْنِ مِنْ قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ، فَتَتَّفِقُ الْأَحَادِيثُ وَلَا تَتَضَادُّ وَفِيهَا مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَادِي وَقْتَ الصَّلَاةِ لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ فَدَلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ لَيْسَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِنَّ السَّكْرَانَ الَّذِي لَا يَعْرِفُ السَّمَاءَ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا الذَّكَرَ مِنَ الْأُنْثَى وَإِنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لَهُ وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ مَا هَذِهِ؟ فَقَالَ: الْأَرْضُ لَمْ يَكُنْ سَكْرَانَ لِأَنَّهُ قَدْ فَهِمَ عَنْهُ كَلَامَهُ -[١٥٢]- وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا لَمَا جَازَ أَنْ يُخَاطَبَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الذَّكَرَ مِنَ الْأُنْثَى وَلَا يَفْهَمُ الْكَلَامَ فَيُقَالُ لَهُ: لَا تَقْرَبِ الصَّلَاةَ وَأَنْتَ سَكْرَانَ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ السَّكْرَانَ هُوَ الَّذِي أَكْثَرُ أَمْرِهِ التَّخْلِيطُ