قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ﴾ قَالَ: «أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ قِسْمَةِ مَوَارِيثِهِمْ أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ وَأَيْتَامَهُمْ وَمَسَاكِينَهُمْ مِنَ الْوَصِيَّةِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةٌ وُصِّلَ لَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ عَلَى النَّدْبِ وَالتَّرْغِيبِ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ وَالشُّكْرِ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ الَّذِينَ فَرَضَ لَهُمُ الْمِيرَاثَ إِذَا حَضَرُوا الْقِسْمَةَ وَحَضَرَ مَعَهُمْ مَنْ لَا يَرِثُ مِنَ الْأَقْرِبَاءِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ أَنْ يَرْزُقُوهُمْ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا فَرَضَ لَهُمْ -[٣٠٤]- وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَاهُنَا نَسْخٌ لِأَنَّ الَّذِي يَقُولُ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ لَا يَخْلُو أَمْرُهُ مِنْ إِحْدَى جِهَتَيْنِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ كَانَتْ نَدْبًا ثُمَّ نُسِخَتْ وَهَذَا مُحَالٌ لِأَنَّ النَّدْبَ إِلَى الْخَيْرِ لَا يُنْسَخُ لَأَنَّ نَسْخَهُ لَا تَفْعَلُوا الْخَيْرَ وَهَذَا مُحَالٌ أَوْ تَكُونُ كَانَتْ وَاجِبَةً فَنُسِخَتْ وَهَذَا أَيْضًا لَا يَكُونُ لِأَنَّ قَائِلَهُ يَقُولُ إِنَّهِ كَانَ إِذَا حَضَرَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ أَعْطَوْهُمْ وَلَمْ يُعْطُوا الْعَصَبَةَ فَنُسِخَ ذَلِكَ بِالْفَرْضِ وَهَذَا لَمْ يُعْرَفْ قَطُّ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْآيَةَ إِذَا ثَبَتَتْ فَلَا يُقَالُ فِيهَا مَنْسُوخَةٌ إِلَّا أَنْ يَنْفَى حُكْمُهَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ، ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ عَنْهُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ هَذَا مُخَاطَبَةً لِلْمُوصِي نَفْسِهِ وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ قِيلَ لِلْمُوصِي أَوْصِ لِذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا بِأَنَّ بَعْدَهُ ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: ٥] أَيْ إِنْ لَمْ تُوصُوا لَهُمْ فَقُولُوا لَهُمْ خَيْرًا وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ فَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مُحْكَمَةٌ وَاجِبَةٌ