بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ التَّاسِعَةِ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: كَمَا حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُجَاشِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ [النساء: ٩٠] الْآيَةَ قَالَ: " نَسَخَتْهَا بَرَاءَةٌ ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] "
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ [النساء: ٩٠] قَالَ: " ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ فَنَبَذَ إِلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ أَنْ نُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] "
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ -[٣٤١]-، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾ [النساء: ٩٠] قَالَ: " نَسَخَتْهَا بَرَاءَةٌ ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ نَسَخَهَا الْجِهَادُ وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ مَعْنَى ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ﴾ [النساء: ٩٠] أَي يَتَّصِلُونَ أَيْ يَنْتَمُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَيْ يَنْتَسِبُونَ إِلَيْهِمْ كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
[البحر الطويل]

إِذَا اتَّصَلَتْ قَالَتْ أَبَكْرَ بْنَ وَائِلٍ وَبَكْرٌ سَبَتْهَا وَالْأُنُوفُ رَوَاغِمُ
. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَظَرَ أَنْ يُقَاتَلَ أَحَدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ نَسَبٌ وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْسَابٌ وَأَشَدُّ مِنْ هَذَا الْجَهْلِ الِاحْتِجَاجُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ ثُمَّ نُسِخَ لِأَنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ مُجْمِعُونَ أَنَّ النَّاسِخَ لَهُ بَرَاءَةٌ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ بَعْدَ الْفَتْحِ وَبَعْدَ أَنِ انْقَطَعَتِ الْحُرُوبُ وَإِنَّمَا يُؤْتَى هَذَا مِنَ الْجَهْلِ بِقَوْلِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ -[٣٤٢]- وَالِاجْتِرَاءِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَحَمْلِهِ عَلَى الْمَعْقُولِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالتَّقْدِيرُ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ، وَأُولَئِكَ الْقَوْمُ خُزَاعَةُ صَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُقَاتَلُونَ، وَأَعْطَاهُمُ الْأَمَانَ وَمَنْ وَصَلَ إِلَيْهِمْ فَدَخَلَ فِي الصُّلْحِ مَعَهُمْ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهُمْ ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ أَيْ وَإِلَّا الَّذِينَ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ وَهُمْ بَنُو مُدْلِجٍ وَبَنُو خُزَيْمَةَ ضَاقَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا الْمُسْلِمِينَ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ بَنِي مُدْلِجٍ وَحَصِرَتْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وَقِيلَ حُذِفَتْ مِنْهُ قَدْ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ دُعَاءً فَمُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ لِأَنَّهُ قَدْ أُمِرَ أَلَّا يُقَاتَلُوا فَكَيْفَ يَدَّعِي عَلَيْهِمْ وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَوْ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٩٠] أَيْ لَسَلَّطَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَالَّذِينَ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ -[٣٤٣]- صُدُورُهُمْ، أَيْ وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَاقْبَلُوا أَمْرَهُ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾ [النساء: ٩٠] أَيِ الصُّلْحُ ﴿فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٩٠] أَيْ طَرِيقًا إِلَى قَتْلِهِمْ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا كُلُّهُ كَمَا قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فَنَبَذَ إِلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَقِيلَ لَهُمْ: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ [التوبة: ٢] ثُمَّ لَيْسَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا الْإِسْلَامُ أَوِ الْقَتْلُ لِغَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْآيَةِ الْعَاشِرَةِ فَقَالُوا فِيهَا خَمْسَةَ أَقْوَالٍ


الصفحة التالية
Icon