قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَخْبَرَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ، ثِقَةً مَأْمُونًا قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «إِنَّمَا سَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ أُولَئِكَ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ وَأَغْرَبِهِ وَأَصَحِّهِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْقِصَاصِ -[٣٨٥]-، فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَيَحْتَجُّ بِهِ مَنْ جَعَلَ الْآيَةَ نَاسِخَةً وَفِيهِ مِنَ الْغَرِيبِ قَوْلُهُ: فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ قَالَ أَبُو زَيْدٍ يُقَالُ اجْتَوَيْتُ الْبِلَادَ إِذَا كَرِهْتُهَا وَإِنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً لَكَ فِي بَدَنِكَ، وَاسْتَوَبَلْتَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ تُوَافِقُكَ فِي بَدَنِكَ وَإِنْ كُنْتَ مُحِبًّا لَهَا وَفِيهِ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: السَّمْلُ أَنْ تُفْقَأَ الْعَيْنُ بِحَدِيدَةٍ مُحْمَاةٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ يُقَالُ: سَمَلْتُهَا أَسْمُلُهَا سَمْلًا وَقَدْ يَكُونُ السَّمْلُ بِالشُّوكِ كَمَا قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ يَرْثِي بَنِينَ لَهُ مَاتُوا:
[البحر الكامل]

فَالْعَيْنُ بَعْدَهُمُ كَأَنَّ حِدَاقَهَا سُمِلَتْ بِشَوْكٍ فَهْيَ عُورٌ تَدْمَعُ
وَبَعْضُ مَنْ يَقُولُ إِنَّهَا مُحْكَمَةٌ غَيْرُ نَاسِخَةٍ يَقُولُ الْحُكَمَانِ قَائِمَانِ جَمِيعًا وَيُحْتَجُّ بِالْحَدِيثِ أَنَّ السَّمْلَ كَانَ قِصَاصًا وَهُوَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ لَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَظَ وَنَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ فَلَمْ يَعُدْ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الِاجْتِهَادِ كَمَا فَعَلَ فِي الْغَنَائِمِ حَتَّى نَزَلَتْ ﴿لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ﴾ [الأنفال: ٦٨] الْآيَةَ وَقَالَ آخَرُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ إِلَّا بِوَحْيٍ مُنَزَّلٍ أَوْ إِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ لِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ [النجم: ٣] وَلِفَرْضِهِ طَاعَتَهُ وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرَ بِالْحُدُودِ -[٣٨٦]- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحَدِيثَ بِغَيْرِ مَا قَالَ فَأَمَّا مَا فِي الْآيَةِ مِنْ قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ أَوْ؛ وَمِنَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي تَخْيِيرِ الْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ أَيَّ هَذِهِ شَاءَ وَمِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ بَلْ ذَلِكَ عَلَى التَّرْتِيبِ فَنَذْكُرُ مِنْهُ مَا تَكْمُلُ بِهِ الْفَائِدَةُ فِي عِلْمِ الْآيَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَنْ يَلْزَمُهُ اسْمُ مُحَارَبَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْمُحَارِبُ لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَرَسُولِهِ هُوَ الْمُشْرِكُ الْمُعَانِدُ دِينَ اللَّهِ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مُسْلِمًا وَخَرَجَ مُتَلَصِّصًا فَلَا يَلْزَمُهُ هَذَا الِاسْمُ وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ يَرْوَى عَنِ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ الْمُحَارِبُ لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَرَسُولِهِ الْمُرْتَدُّ وَهَذَا قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ


الصفحة التالية
Icon