كَمَا قُرِئَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّقْرِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ هُشَيْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، وَغَيْرُهُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ» وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ إِنَّ الشَّهَادَةَ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْحُضُورِ يَحْتَجُّ قَائِلُهُ بِمَا يَعَارَضُ بِهِ تِلْكَ الْأَقْوَالُ مِمَا سَنَذْكُرُهُ وَكَذَا الْقَوْلُ الْخَامِسُ إِنَّ الشَّهَادَةَ بِمَعْنَى الْيَمِينِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ﴾ [النور: ٦] فَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَنَصُّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢] وَلَا يَرْضَى الْكُفَّارَ وَلَا يَكُونُونَ ذَوَيْ عَدْلٍ وَيُعَارَضُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ شَهَادَةَ الْفُسَّاقِ لَا تَجُوزُ وَالْكُفَّارُ فُسَّاقٌ وَأَجْمَعُوا أَيْضًا أَنَّ شَهَادَةَ الْكُفَّارِ لَا تَجُوزُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ فَيَرِدُ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ إِلَى مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ وَهَذِهِ احْتِجَاجَاتٌ بَيِّنَةٌ -[٤٠٧]- وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَهَا بِكَثْرَةِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ وَأَنَّهُ قَدْ قَالَهُ صَحَابِيَّانِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ وَمُخَالَفَةُ الصَّحَابَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ يَنْفُرُ مِنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ قَالَ فَيُجْعَلُ هَذَا عَلَى الضَّرُورَةِ كَمَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِي السَّفَرِ وَكَمَا يَكُونُ التَّيَمُّمُ فِيهِ وَالْإِفْطَارُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ قِيلَ لَهُ هَذِهِ الضَّرُورَاتُ إِنَّمَا تَكُونُ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ كَذَا الشَّهَادَةُ وَعُورِضَ مَنْ قَالَ بِنَسْخِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ شَهِدَ التَّنْزِيلَ وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا شَيْئًا مِنَ الْعَرَبِيَّةِ غَامِضًا وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى آخَرَ فِي الْعَرَبِيَّةِ آخَرُ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ تَقُولُ مَرَرْتُ بِكَرِيمٍ وَكَرِيمٍ آخَرَ فَقَوْلُكَ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مَرَرْتُ بِكَرِيمٍ وَخَسِيسٍ آخَرَ وَلَا مَرَرْتُ بِرَجُلٍ وَحِمَارٍ آخَرَ فَوَجَبَ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ عَدْلَانِ وَالْكُفَّارُ لَا يَكُونُونَ عُدُولًا فَيَصِحُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ غَيْرِكُمْ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ عُورِضَ لِأَنَّ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [المائدة: ١٠٦] فَخُوطِبَ الْجَمَاعَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَيُقَالُ لِمَنْ عَارَضَ بِهَذَا: هَذَا مَوْجُودٌ فِي اللُّغَةِ كَثِيرٌ يَسْتَغْنِي عَنِ الِاحْتِجَاجِ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: إِنَّ الشَّهَادَةَ بِمَعْنَى الْحُضُورِ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةَ، وَقَدِ احْتَجَّ قَائِلُهُ بِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ غَيْرَ هَذَا -[٤٠٨]- الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَيَرُدُّ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ إِلَى مَا اجْتُمِعَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُقَالُ شَهِدْتُ وَصِيَّةَ فُلَانٍ أَيْ حَضَرْتُ وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّ الشَّهَادَةَ بِمَعْنَى الْيَمِينِ مَعْرُوفٌ يَكُونُ التَّقْدِيرُ فِيهِ شَهَادَةِ أَحَدِكُمْ أَيْ يَمِينُ أَحَدِكُمْ أَنْ يَحْلِفَ اثْنَانِ وَحَقِيقَتِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ: يَمِينُ اثْنَيْنِ مِثْلَ ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢]