كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَنْبَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: «يَدَعُ الْمَسَاكِينَ يَتَّبِعُونَ أَثَرَ الْحَصَّادِ فَمَا سَقَطَ عَنِ الْمِنْجَلِ أَخَذُوهُ» وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَقَدْ رُوِيَ وَصَحَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ حَصَادَ اللَّيْلِ مِنْ أَجْلِ هَذَا
وقُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «كَانُوا يُعْطُونَ مَنِ اعْتَرَّ بِهِمْ» وَهَذَا أَيْضًا قَوْلُ -[٤٢٤]- مُجَاهِدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وعَطِيَّةَ وَهَوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ حَصَادِ اللَّيْلِ» وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مَعْنَى، ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] عَلَى النَّدْبِ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَعْرِفُ أَحَدًا مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَهُ وَإِذَا تَكَلَّمَ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي مَعْنَى آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ قَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُتَقَدِّمِينَ فِيهَا فَخَرَجَ عَنْ قَوْلِهِمْ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يُعَدَّ خِلَافًا فَبَطَلَ هَذَا، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ فَيُعَارَضُ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَالزَّكَاةُ فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ لَا تَنَازُعَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى ﴿يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] لَوْ كَانَ لِلزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَجَبَ أَنْ تُعْطَى وَقْتَ الْحَصَادِ وَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ وَصَحَّتْ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُعْطَى إِلَّا بَعْدَ الْكَيْلِ وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي الْآيَةِ ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: ١٤١] فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الزَّكَاةِ لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ الثَّمَرِ وَفِي كُلِّ مَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ وَلَا الْفُقَهَاءِ إِلَّا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ خَرَجَ عَنِ الْإِجْمَاعِ -[٤٢٥]- وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ فِي هَذَا مِنْ قَوْلِ مَنْ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِيَ كُلِّ هَذَا الزَّكَاةَ إِلَّا فِي الْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَالْقَصَبِ وَقَدْ أَخْرَجَ شَيْئًا مِمَّا فِي الْآيَةِ وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ فِيَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ مِنْهَا الزَّكَاةَ: الْحِنْطَةُ، وَالشَّعِيرُ، وَالتَّمْرُ، وَالزَّبِيبُ فَهَذَا إِجْمَاعٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ إِلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الْحِنْطَةُ، وَالشَّعِيرُ، وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ فَمِمَّنْ قَالَ هَذَا الْحَسَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى -[٤٢٦]-، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ بِحَدِيثِ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي بُرْدَةَ إِنَّ مُعَاذًا وأَبَا مُوسَى لَمَّا بُعِثَا لِيُعَلِّمَا النَّاسَ أَمْرَ دِينِهِمْ لَمْ يَأْخُذَا الزَّكَاةَ فِيمَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ أَنَّ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ مَحْظُورَةٌ، فَلَمَّا أُجْمِعَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَجَبَتْ بِالْإِجْمَاعِ وَلَمَّا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي غَيْرِهَا لَمْ يَجِبْ فِيهَا شَيْءٌ وَزَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ السُّلْتَ وَالزَّيْتُونَ وَزَادَ الزُّهْرِيُّ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْيَاءِ الزَّيْتُونَ وَالْحُبُوبَ كُلَّهَا وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَكْحُولٍ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ فِيَ الزَّيْتُونِ الزَّكَاةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ كَانَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ بِالْعِرَاقِ ثُمَّ قَالَ بِمِصْرَ فِي الزَّيْتُونِ لَا أَرَى أَنْ تَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ أُدْمٌ لَا أَنَّهُ يُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ وَقَالَ يَعْقُوبُ، وَمُحَمَّدٌ فِيمَا بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ كُلُّ مَا يُؤْكَلُ وَيَبْقَى فَفِيهِ -[٤٢٧]- الزَّكَاةُ فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ وَأَكْثَرُهُمُ اعْتِمَادُهُ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ فَمَنْ ضَمَّ إِلَيْهَا الْحُبُوبَ وَمَا يُقَتْاتُ بِهِ فَإِنَّمَا قَاسَهُ عَلَيْهَا وَمَنْ ضَمَّ إِلَيْهَا الزَّيْتُونَ فَإِنَّمَا قَاسَهُ عَلَى النَّخْلِ وَالْعِنَبِ هَكَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِالْعِرَاقِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ اَحْتَجَّ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ وَأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ فِي الْمَالِ سِوَى الزَّكَاةِ