بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: قَالَ الْحَسَنُ: نَسَخَ ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَوْلُهُ ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٣٤] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: النَّسْخُ هَاهُنَا مُحَالٌ لِأَنَّهُ خَبَرٌ خَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رُوِيَ عَنْهُ هَذَا إِلَّا الْحَسَنَ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ وَقَالُوا فِيهَا أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ فَمِنْ ذَلِكَ
مَا حَدَّثَنَاهُ بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: " يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَ قَوْمًا وَأَنْبِيَاؤُهُمْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ حَتَّى يُخْرِجَهُمْ، وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قَالَ: يَقُولُ وَفِيهِمْ مَنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ مِنْهُ الدُّخُولُ فِي الْإِيمَانِ وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٣٤] يَوْمَ بَدْرٍ بِالسَّيْفِ " -[٤٦٥]- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: شَرْحُ هَذَا ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] يَعْنِي الْكُفَّارَ جَمِيعًا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُسْلِمُ فَيَكُونُ وَهُمْ يُرَادُ بِهِمُ الْبَعْضُ مِثْلَ قَوْلِ الْعَرَبِ قَتَلْنَا بَنِي فُلَانٍ وَإِنَّمَا قَتَلُوا بَعْضَهُمْ ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٣٤] إِذَا أَسْلَمَ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يُسْلِمُ فَهَذَا الْقَوْلُ يَجُوزُ إِلَّا أَنَّ فِيهِ هَذَا التَّعَسُّفَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ «وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ أَيْ يُسْلِمُونَ وَهَذَا كَالْأَوَّلِ»