وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَانَ الْإِنْسَانُ يَتَوَقَّى أَنْ يَأْكُلَ مَعَ الْأَعْمَى لِأَنَّهُ يَقْصُرُ فِي الْأَكْلِ وَكَذَا الْأَعْرَجُ وَالْمَرِيضُ فَأُزِيلَ ذَلِكَ وَالْقَوْلُ السَّادِسُ: أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ فَمِمَّنْ قَالَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [النور: ٦١] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: هَذَا شَيْءٌ قَدِ انْقَطَعَ كَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَيْسَتْ عَلَى أَبْوَابِهِمْ أَغْلَاقٌ فَكَانَتِ السُّتُورُ مُرْخَاةٌ فَرُبَّمَا جَاءَ الرَّجُلُ فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَهُوَ جَائِعٌ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ فَسَوَّغَهُ اللَّهُ أَنْ يَأْكُلَ ثُمَّ صَارَتِ الْأَغْلَاقُ عَلَى الْبُيُوتِ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْتَحَهَا فَذَهَبَ هَذَا وَانْقَطَعَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى حَظْرِ هَذَا
مَا حَدَّثَنَاهُ بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحْتَلِبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَخِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ، فَإِنَّمَا تُحْرِزُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ فَلَا يَحْتَلِبْنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَخِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَظْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا نَاسِخَةٌ قَوْلُ جَمَاعَةٍ
كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي -[٥٩٨]- طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء: ٢٩] " فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ نَهَانَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَإِنَّ الطَّعَامَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَمْوَالِ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنَّا أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ أَحَدٍ فَكَفَّ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ﴾ [النور: ٦١] إِلَى ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ [النور: ٦١] قَالَ هُوَ الرَّجُلُ يُؤَكِّلُ الرَّجُلَ بِضَيْعَتِهِ وَالَّذِي رَخَّصَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ وَالتَّمْرَ وَيَشْرَبَ اللَّبَنَ " فَذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ إِلَى أَنَّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْإِذْنِ لِأَنَّ النَّاسَ تَوَقَّفُوا أَنْ يَأْكُلُوا لِأَحَدٍ شَيْئًا إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ تِجَارَةٍ أَوْ عِوَضٌ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ فَأَبَاحَ اللَّهُ ذلِكَ إِذَا أَذِنَ فِيهِ صَاحِبُهُ وَتَأَوَّلَهُ غَيْرُهُ عَلَى الْإِذْنِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُطْلِقْ ذَلِكَ صَاحِبُهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يَمْنَعُهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ الْإِذْنِ وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى ﴿أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾ [النور: ٦١] لِأَنَّ مَنْزِلَ الرَّجُلِ قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَا لَيْسَ لَهُ وَمَا يَكُونُ لِأَهْلِهِ ﴿أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ﴾ [النور: ٦١] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَلَمْ يَذْكُرِ الِابْنَ فِيهَا فَتَأَوَّلَ هَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْزِلَ ابْنِهِ وَمَنْزِلَهُ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ -[٥٩٩]- وَعَارَضَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ هَذَا تَحَكُّمٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بَلِ الْأَوْلَى فِي الظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ مُخَالِفًا لِهَؤُلَاءِ وَلَيْسَ الِاحْتِجَاجُ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» بِقَوِيٍّ لَوَهَاءِ هَذَا الْحَدِيثُ وَأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ إِذْ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّ مَالَ ذَلِكَ الْمُخَاطَبِ لِأَبِيهِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مَعْنَاهُ أَنْتَ لِأَبِيكَ وَمَالُكَ مُبْتَدَأٌ أَيْ وَمَالُكَ لَكَ وَالْقَاطِعُ لِهَذَا التَّوَارُثِ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِمَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَكْلِ مَعَ الْأَعْمَى وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ مِقْسَمٌ