بَابُ ذِكْرِ الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبِ﴾ [الشورى: ٢٠] فِيهِ قَوْلَانِ مِنْ ذَلِكَ
مَا حَدَّثَنَاهُ عَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ﴾ [الشورى: ٢٠] " مَنْ كَانَ مِنَ الْأَبْرَارِ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ الصَّالِحِ ثَوَابَ الْآخِرَةِ ﴿نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ [الشورى: ٢٠] أَيْ فِي حَسَنَاتِهِ ﴿وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا﴾ [الشورى: ٢٠] أَيْ مَنْ كَانَ مِنَ الْفُجَّارِ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ الْحَسَنِ الدُّنْيَا ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ [آل عمران: ١٤٥] ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ سُبْحَانَ ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾ [الإسراء: ١٨] " وَالْقَوْلُ الْآخَرُ إِنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا بِإِرَادَةِ اللَّهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ» -[٦٥٥]- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُتَأَوَّلَ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ هَذِهِ عَلَى نَسْخِهِ هَذِهِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ وَرُبَّمَا أَغْفَلَ مَنْ لَمْ يُنْعَمِ النَّظَرَ فِي مِثْلِ هَذَا فَجُعِلَ فِي الْأَخْبَارِ نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا فَلَحِقَهُ الْغَلَطُ الْعَظِيمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ أَنَّهُ خَبَرٌ وَقَدْ قَالَ قَتَادَةُ فِي الْآيَةِ: مَنْ آثَرَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَكَدَحَ لَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَلَمْ يَزْدَدْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا مَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ


الصفحة التالية
Icon