بَابُ ذِكْرِ الْمَوْضِعِ الْخَامِسِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ [الشورى: ٣٩] زَعَمَ ابْنُ زَيْدٍ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قَالَ: «الْمُسْلِمُونَ يَنْتَصِرُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ نَسَخَهَا أَمْرُهُمْ بِالْجِهَادِ» وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ مُحْكَمَةٌ وَالِانْتِصَارُ مِنَ الظَّالِمِ بِالْحَقِّ تَقْوِيمٌ لَهُ مَحْمُودٌ مَمْدُوحٌ صَاحِبُهُ كَانَ الظَّالِمُ مُسْلِمًا أَوْ مُشْرِكًا
كَمَا رَوَى أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ [الشورى: ٣٩] قَالَ: «يَنْتَصِرُونَ مِمَّنْ بَغَى عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَدُّوا» وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ لِأَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠] أَوْلَى مَا قِيلَ فِيهِ مُعَاقَبَةُ الْمُسِيءِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَسُمِّيَتِ الثَّانِيَةُ سَيِّئَةً لِأَنَّهَا مَسَاءَةٌ لِلْمُقْتَصِّ مِنْهُ وَالنَّحْوِيُّونَ يَقُولُونَ هَذَا عَلَى الِازْدِوَاجِ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ هَذَا فِي الْعُقُوبَاتِ وَالْقِصَاصِ وَأَخْذُ الْمَالِ لَا فِي الْكَلَامِ إِلَّا ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ
كَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠] قَالَ «-[٦٦٠]- إِذَا قَالَ لَهُ أَخْزَاكَ اللَّهُ قَالَ لَهُ أَخْزَاكَ اللَّهُ» وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ «هَذَا كُلُّهُ مَنْسُوخٌ بِالْجِهَادِ وَكَذَا عِنْدَهُ وَلِمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً» وَقَوْلُ قَتَادَةَ إِنَّهُ عَامٌّ وَكَذَا يَدُلُّ ظَاهَرُ الْكَلَامِ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ