بَابُ ذِكْرِ الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ مِنْهَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ [محمد: ٤] فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ، مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ وَهِيَ فِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَادَوْا وَلَا يُمَنُّ عَلَيْهِمْ وَالنَّاسِخُ لَهَا عِنْدَهُمْ ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ فِي الْكُفَّارِ جَمِيعًا وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ نَاسِخَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْتَلَ الْأَسِيرُ وَلَكِنْ يُمَنُّ عَلَيْهِ أَوْ يُفَادَى بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ الْأَسْرُ إِلَّا بَعْدَ الْإِثْخَانِ وَالْقَتْلِ، فَإِذَا أُسِرَ الْعَدُوُّ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِمَا رَأَى مِنْ قَتْلٍ أَوْ مَنٍّ أَوْ مُفَادَاةٍ وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: إِنَّهَا مُحْكَمَةٌ غَيْرُ نَاسِخَةٍ وَلَا مَنْسُوخَةٍ وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ أَيْضًا فَمِمَّنْ قَالَ الْقَوْلَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ مِنْ ذَلِكَ "
مَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ، عَنْ يوسُفَ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ -[٦٦٩]- جُرَيْجٍ، ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد: ٤] قَالَ: " نَسَخَهَا ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا مَعْرُوفٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ جُرَيْجٍ: إِنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ وَإِنَّهَا فِي كُفَّارِ الْعَرَبِ وَهُوَ قَوْلُ السُّدِّيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهَا فِي جَمِيعِ الْكُفَّارِ وَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ النَّظَرِ وَقَالُوا إِذَا أُسِرَ الْمُشْرِكُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُمَنَّ عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يُفَادَى بِهِ فَيُرَدَّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُفَادَى إِلَّا بِالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ، وَالنَّاسِخُ لَهَا ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] إِذْ كَانَتْ بَرَاءَةُ آخِرَ مَا نَزَلَ بِالتَّوْقِيفِ فَوَجَبَ أَنْ يُقْتَلَ كُلُّ مُشْرِكٍ إِلَّا مَنْ قَامَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى تَرْكِهِ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَمَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، قَالُوا: وَالْحُجَّةُ لَنَا فِي قَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَأَبَا عَزَّةَ قِيلَ فَإِنَّ هَذَيْنِ -[٦٧٠]- وَغَيْرَهُمَا أَهْلُ أَوْثَانٍ وَبَراءَةٌ نَزَلَتْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ عُقْبَةَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَبَا عَزَّةَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالُوا: فَلَيْسَ فِي هَذَا حُجَّةٌ، فَقِيلَ فَإِنْ ثَبَتَ فِي هَذَا حُجَّةٌ فَهُوَ الْقَتْلُ كَمَا هُوَ فَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِمَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْمَنِّ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ إِنَّمَا مَنَّ عَلَى الْأَشْعَثِ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ فَحُكْمُهُ أَنْ يُسْتَتَابَ وَإِنَّمَا مَنَّ عُمَرُ عَلَى الْهُرْمُزَانِ؛ لِأَنَّهُ احْتَالَ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ: لَهُ " اشْرَبْ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ أَمَّنْتَنِي -[٦٧١]- وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِنَّمَا مَنَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمَينَ يَشْهَدُونَ شَهَادَةَ الْحَقِّ وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: كُنْتُ مَعَهُ بِصِفِّينَ فَكَانَ إِذَا جِيءَ بِأَسِيرِ اسْتَحْلَفَهُ أَنْ لَا يُكْثِرَ عَلَيْهِ وَدَفَعَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فَخَلَّاهُ وَكَانَ هَذَا مَذْهَبَهُ أَنْ لَا يَقْتُلَ الْأَسِيرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَغْنَمَ مَالَهُ وَلَا يَتْبَعَهُ إِذَا وَلَّى وَلَا يُجْهِزَ عَلَى جَرِيحٍ فَكَانَتْ هَذِهِ سُنَّتَهُ فِي قِتَالِ مَنْ بَغَى مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ


الصفحة التالية
Icon