وَرَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ، عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَلْحَقُ الْمُسْلِمَ أَوْ يَنْفَعُ الْمُسْلِمَ ثَلَاثٌ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ، وَعِلْمٌ نَشَرَهُ، وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ» وَنَذْكُرُ قَوْلَ مَنْ تَأَوَّلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِيهَا أَقْوَالٌ: وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا وَلَمْ يُجِزْ فِيهَا التُّرْكَ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَكَانَ هَذَا مَذْهَبَهُ فَقَالَ: يَحُجُّ الْإِنْسَانُ عَنِ الْإِنْسَانِ وَيَتَصَدَّقُ عَنْهُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ، وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامِ نَذَرٍ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»، كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[٦٩٤]- وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ بِبَعْضِ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ: يَحُجُّ الْإِنْسَانِ عَنِ الْإِنْسَانِ وَلَا يَصُومُ عَنْهُ وَلَا يُصَلِّي، وَهَذَا مُذْهِبُ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ فِي عَمِلِ الْأَبْدَانِ أَنْ يَعْمَلَهَا أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْأَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَلَكِنْ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْآيَةِ وَإِنَّمَا يَحُجُّ الْإِنْسَانُ عَنِ الْإِنْسَانِ إِذَا أَمَرَهُ أَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ أَوْ كَانَ لَهُ فِيهِ -[٦٩٥]- سَعْيٌ حَتَّى يَكُونَ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: ٣٩]، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَعْمَلُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَإِنْ عَمِلَهُ فَهُوَ لِنَفْسِهِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: ٣٩]، وَقَالَ فِي الْأَحَادِيثِ سَبِيلُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهمُ السَّلَامُ أَنْ لَا يَمْنَعُوا أَحَدًا مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَوْلُ أَحْمَدَ فِي هَذَا بَيِّنٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَصْلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ يُرَدُّ هَذَا إِلَى الْآيَةِ فَفِي ذَلِكَ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَّ عَنْهُ فَهُوَ مَضْمُومٌ إِلَى الْقُرْآنِ


الصفحة التالية
Icon