وَقُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ يُخْبِرُ: أَنَّ النَّاسَ فَعَلُوا هَذَا وَالنَّاسُ أَتْبَاعُهُ -[٧٦٧]-، فَأَمَّا الزَّبِيبُ فَأَهْلُ الْعِلْمِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مِنْهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَّا صَاعٌ خَلَا أَبَا حَنِيفَةَ، فَإِنَّ أَبَا يوسُفَ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ كَمَا يُخْرَجُ مِنَ الْبُرِّ وَأَمَّا الِاخْتِيَارُ فِيمَا يُخْرِجُ فَأَهْلُ الْعِلْمِ مَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ: فَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ التَّمْرَ، وَقَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ مَا أَخْرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِلَيَّ التَّمْرُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: «إِخْرَاجُ التَّمْرِ أَحَبُّ إِلَيَّ وَإِنْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ غَيْرَهُ»، وَقَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّ التَّمْرَ مَنْفَعَتُهُ عَاجِلَةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: «الْبُرُّ أَحَبُّ إِلَيَّ»، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: «أَعْجَلُهَا مَنْفَعَةً الدَّقِيقُ يُخْرِجُ نِصْفَ صَاعِ دَقِيقٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقِ الشَّعِيرِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَأَمَّا إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ أَيْضًا، فَمِمَّنْ أَجَازَ -[٧٦٨]- ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنُ، وَأَهْلُ الرَّأْيِ وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وأَحْمَدُ إِلَّا إِخْرَاجَ الْمِكْيَلَةِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: «يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ» فَأَمَّا دَفْعُ زَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى إِنْسَانٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَتْ عَنْ جَمَاعَةٍ فَمِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا، فَأَجَازَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: «تُقْسَمُ كَمَا تُقْسَمُ الزَّكَاةُ»، وَأَمَّا إِعْطَاءُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْهَا فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ أَيْضًا، فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُجِيزُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ، فَمِمَّنْ أَجَازَهُ مُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الرَّأْيِ فَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّكَاةِ فَلَمْ يُجِيزُوا فِي الزَّكَاةِ إِلَّا دَفَعَهَا إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَجَازُوا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُدْفَعَ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَمَّا دَفْعُ الرَّجُلِ عَنْ زَوْجَتِهِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ أَيْضًا، فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَوْجِبُونَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَهْلُ الرَّأْيِ: لَا «يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ» -[٧٦٩]- وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، ورَبِيعَةُ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى: ١٥] وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَمُخْتَلَفٌ فِي أَدَّاءِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْهُ أَيْضًا، فَقَالَ الْحَسَنُ، وعَطَاءٌ: «لَا يَجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا عَنْهُ»، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الرَّأْيِ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ: «عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا عَنْهُ» -[٧٧٠]- وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْمُكَاتَبِ فَقَالَ مَالِكٌ: «عَلَى مَوْلَاهُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ»، وَقَالَ أَهْلُ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيُّ: «لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ» وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِهَذَا الِاخْتِلَافِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَّا عَنْ نَفْسِهِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ»، فَالْحُرُّ يُؤَدِّي عَنْ نَفْسِهِ، وَالْعَبْدُ يُؤَدِّي عَنْ نَفْسِهِ