قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: ١٨٤] قَالَ: " كَانَ الرَّجُلُ يُصْبِحُ صَائِمًا أَوِ الْمَرْأَةُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَأَطْعَمْ مِسْكِينًا فَنَسَخَتْهَا ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: ١٨٥] " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَهَذَا قَوْلٌ وَقَالَ السُّدِّيُّ ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ [البقرة: ١٨٤] كَانَ الرَّجُلُ يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُ الْعِطَاشُ فَأُطْلِقَ لَهُ الْفِطْرُ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمُرْضِعُ يُفْطِرُونَ وَيُطْعِمُونَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ [البقرة: ١٨٤] فَأَطْعَمَ مِسْكِينَيْنِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ [البقرة: ١٨٤] صَامَ وَأَطْعَمَ مِسْكِينًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَقِيلَ: الْمَعْنَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ عَلَى جَهْدٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: ١٨٥] ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهَا مَنْسُوخَةً جَعَلَهُ مَجَازًا وَقَالَ الْمَعْنَى: يُطِيقُونَهُ عَلَى جَهْدٍ أوْ قَالَ: كَانُوا يُطِيقُونَهُ فَأَضْمَرَ كَانَ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ هَذَا -[٩٦]- وَقَدِ اعْتَرَضَ قَوْمٌ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ «يُطَوَّقُونَهُ»، «وَيَطَّوَّقُونَهُ» وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ بِالشُّذُوذِ عَلَى مَا نَقَلَهُ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي قِرَاءَتِهِمْ وَفِي مَصَاحِفِهِمْ ظَاهِرًا مَكْشُوفًا وَمَا نُقِلَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَمَحْظُورٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعَارِضُوا مَا تَثْبُتْ بِهِ الْحُجَّةُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِالظُّنُونِ وَالْأَوْهَامِ وَالشُّذُوذِ، وَمَا لَا يُوقَفُ مِنْهُ عَلَى حَقِيقَةٍ غَيْرَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدِ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَنْسُوخَةً؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي الْخَطِّ وَهَذَا لَا يَمْتَنِعُ، فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَزَّ ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ [النساء: ١٥] أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَثَبَّتُوا مِنْهَا شَهَادَةَ أَرْبَعَةٍ فِي الزِّنَا فَكَذَا -[٩٧]- ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: ١٨٤] وَإِنْ كَانَتْ مَنْسُوخَةً فَفِيهَا غَيْرُ حُجَّةٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَشَايخَ وَالْعَجَائِزَ الَّذِينَ هُمْ لَا يُطِيقُونَ الصِّيَامَ أَوْ يُطِيقُونَهُ عَلَى مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ فَلَهُمُ الْإِفْطَارُ، وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ إِذَا أَفْطَرُوا غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَطْعَمُوا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ، وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَيْسُ بْنُ السَّائِبِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَلَيْهِمُ الْفِدْيَةُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ اتِّبَاعًا مِنْهُ لِقَوْلِ الصَّحَابَةِ وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِهِ، وَحُجَّةٌ أُخْرَى فِيمَنْ قَالَ: عَلَيْهِمُ الْفِدْيَةَ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَرَضٍ وَلَا هُمْ مُسَافِرُونَ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِمُ الْفِدْيَةُ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: ١٨٤] وَالْحُجَّةُ لِمَنْ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ مَنْ أَفْطَرَ مِمَّنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ -[٩٨]- وَهَؤُلَاءِ لَا يَصِلُونَ إِلَى الْقَضَاءِ، وَأَمْوَالُ النَّاسِ مَحْظُورَةٌ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا وَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ وَمِمَّا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ أَيْضًا الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا فَأَفْطَرَتَا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَمُجَاهِدٍ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ عَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا وَالْحُجَّةُ لِمَنْ قَالَ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ وَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الْفِطْرِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ يَوْمٌ يَصُومُهُ كَالْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَهُ -[٩٩]- وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ: عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ أَنَّهُمَا أَفْطَرَتَا مِنْ أَجْلِ غَيْرِهِمَا فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ لِتُكْمِلَا الْعِدَّةَ وَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: ١٨٤] وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ: عَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ الْآيَةُ أَيْضًا وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ قَضَاءٌ فَاحْتَجَّ الْعُلَمَاءُ بِالْآيَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَنْسُوخَةً وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَالْآيَةُ الثَّامِنَةُ نَاسِخَةٌ بِإِجْمَاعٍ