كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِصَارِ ثَقِيفٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، الَّذِي هُوَ ذُو الْقَعْدَةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى هَوَازِنَ فِي شَوَّالٍ، فَلَمَّا كَسَرَهُمْ وَاسْتَفَاءَ أَمْوَالَهُمْ وَرَجَعَ فَلُّهُمْ لَجَأُوا إِلَى الطَّائِفِ، فَعَمَدَ إِلَى الطَّائِفِ فَحَاصَرَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَفْتَحْهَا، فَثَبَتَ أَنَّهُ حَاصَرَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ وَقَوْلِهِ: لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ [٥]، وَقَوْلِهِ: الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ الْآيَةَ [٢ ١٩٤].
وَالْمَنْسُوخُ مِنْ هَذِهِ وَمِنْ قَوْلِهِ: أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، هُوَ تَحْرِيمُ الشَّهْرِ فِي الْأُولَى وَالْأَشْهُرِ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ دُونَ مَا تَضَمَّنَتَاهُ مِنَ الْخَبَرِ، لِأَنَّ الْخَبَرَ لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ شَرْعًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ - إِلَى قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.
هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا التَّنْصِيصُ الصَّرِيحُ عَلَى أَنَّ كُفَّارَ أَهْلِ الْكِتَابِ مُشْرِكُونَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيهِمْ: سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ وُجُوهَ شِرْكِهِمْ،