مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمَّا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى كُفَّارِ مَكَّةَ أَنْ يَسْأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشَّاةِ تُصْبِحُ مَيِّتَةً مَنْ قَتَلَهَا وَأَنَّهُ إِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ قَتَلَهَا أَنْ يَقُولُوا: مَا قَتَلْتُمُوهُ بِأَيْدِيكُمْ حَلَالٌ وَمَا قَتَلَهُ اللَّهُ حَرَامٌ فَأَنْتُمْ إِذًا أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ، أَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [٦ ١٢١]، فَأَقْسَمَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ أَنَّهُ مُشْرِكٌ بِاللَّهِ، وَلَمَّا سَأَلَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا [٩ ٣١]، كَيْفَ اتَّخَذُوهُمْ أَرْبَابًا؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ يُحِلُّوا لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَيُحَرِّمُوا عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَاتَّبَعُوهُمْ؟، قَالَ: بَلَى، قَالَ: بِذَلِكَ اتَّخَذُوهُمْ أَرْبَابًا، فَبَانَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ مُشْرِكُونَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الشِّرْكَ الْأَكْبَرَ، وَإِنْ كَانُوا كُفَّارَ مَكَّةَ فِي صَرِيحِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا الْآيَةَ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى لُزُومِ الْخُرُوجِ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ الْآيَةَ [٩ ١٩]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً [٩ ١٢٢].
وَالْجَوَابُ أَنَّ آيَةَ: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا مَنْسُوخَةٌ بِآيَاتٍ الْعُذْرِ الْمَذْكُورَةِ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ أَمْثِلَةِ مَا نُسِخَ فِيهِ النَّاسِخُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا نَاسِخٌ لِآيَاتِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِآيَاتِ الْعُذْرِ، كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.


الصفحة التالية
Icon