قَوْلُهُ تَعَالَى: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ الْآيَةَ.
تَقَدَّمَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآيَاتِ الَّتِي يُظَنُّ تَعَارُضُهَا مَعَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [٤ ٥٧]، فِي سُورَةِ " الْأَنْعَامِ "، وَسَيَأْتِي لَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ زِيَادَةُ إِيضَاحٍ فِي سُورَةِ " النَّبَأِ ".
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ.
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: " ذَلِكَ " فَقِيلَ: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ،
وَلِلرَّحْمَةِ " خَلَقَهُمْ "، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُوَ اخْتِلَافُهُمْ إِلَى شَقِيٌّ وَسَعِيدٍ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ الِاخْتِلَافِ خَلَقَهُمْ فَخَلَقَ فَرِيقًا لِلْجَنَّةِ وَفَرِيقًا لِلسَّعِيرِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الْآيَةَ [٧ ١٧٩]، وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: يَا عَائِشَةُ! إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا، وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ.