وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ كُلَّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ فَهُوَ خَمْرٌ، وَأَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَأَنَّ مَا أَسْكَرُ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ.
وَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ آيَةَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا الْآيَةَ، وَنَسْخُهَا لَهُ هُوَ التَّحْقِيقُ خِلَافًا لِمَا يَزْعُمُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ لَيْسَ نَسْخًا لِإِبَاحَتِهَا الْأُولَى، لِأَنَّ إِبَاحَتَهَا الْأَوْلَى إِبَاحَةٌ عَقْلِيَّةٌ وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ بِالْبَرَاءَةِ الْأُصُولِيَّةِ، وَتُسَمَّى اسْتِصْحَابَ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ.
وَالْإِبَاحَةُ الْعَقْلِيَّةُ لَيْسَتْ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ حَتَّى يَكُونَ رَفْعُهَا نَسْخًا، وَلَوْ كَانَ رَفْعُهَا نَسْخًا لَكَانَ كُلُّ تَكْلِيفٍ فِي الشَّرْعِ نَاسِخًا لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ مِنَ التَّكْلِيفِ بِهِ وَإِلَى كَوْنِ الْإِبَاحَةِ الْعَقْلِيَّةِ لَيْسَتْ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ بِقَوْلِهِ:
وَمَا مِنَ الْإِبَاحَةِ الْعَقْلِيَّةِ | قَدْ أُخِذَتْ فَلَيْسَتِ الشَّرْعِيَّةَ |
أَبَاحَهَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ | بَرَاءَةً لَيْسَتْ مِنَ الْأَحْكَامِ |
وَمَعْلُومٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْخَمْرَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِهَا أَرْبَعُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ:
الْأُولَى: هَذِهِ الْآيَةُ الدَّالَّةُ عَلَى إِبَاحَتِهَا.
الثَّانِيَةُ: الْآيَةُ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا بَعْضُ مَعَائِبِهَا، وَأَنَّ فِيهَا مَنَافِعَ وَصَرَّحَتْ