دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ بِلَا حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ، وَإِطْلَاقُ السُّلْطَانِ عَلَى الْبُرْهَانِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ.
الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا ابْتِدَاءً الْبَتَّةَ، وَلَكِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ سَلَّطُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِطَاعَتِهِ وَدُخُولِهِمْ فِي حِزْبِهِ، فَلَمْ يَتَسَلَّطْ عَلَيْهِمْ بِقُوَّةٍ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا
الْآيَةَ
[٤ ٧٦]، وَإِنَّمَا تَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ بِإِرَادَتِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ، ذَكَرَ هَذَا الْجَوَابَ بِوَجْهَيْهِ ابْنُ الْقَيِّمِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى أَنَّ مَعِيَّةَ اللَّهِ خَاصَّةٌ بِالْمُتَّقِينَ الْمُحْسِنِينَ.
وَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى عُمُومِهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ [٥٨ ٧].
وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [٥٧ ٤].
وَقَوْلُهُ: فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ [٧ ٧].
وَقَوْلُهُ: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ الْآيَةَ [١٠ ٦١].
وَالْجَوَابُ أَنَّ لِلَّهِ مَعِيَّةً خَاصَّةً وَمَعِيَّةً عَامَّةً، فَالْمَعِيَّةُ الْخَاصَّةُ بِالنَّصْرِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ، وَهَذِهِ لِخُصُوصِ الْمُتَّقِينَ الْمُحْسِنِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا الْآيَةَ [١٦ ١٢٨].
وقَوْلِهِ: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ الْآيَةَ [٨ ١٢].
وَقَوْلِهِ: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [٢٠ ٤٦].
وَقَوْلِهِ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [٩ ٤٠].
وَمَعِيَّةٌ عَامَّةٌ بِالْإِحَاطَةِ وَالْعِلْمِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَجَمِيعُ الْخَلَائِقِ فِي يَدِهِ أَصْغَرُ مِنْ حَبَّةِ خَرْدَلٍ فِي يَدِ أَحَدِنَا، وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَسَيَأْتِي لَهُ زِيَادَةُ إِيضَاحٍ فِي سُورَةِ «الْحَدِيدِ» إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهِيَ عَامَّةٌ لِكُلِّ الْخَلَائِقِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ.


الصفحة التالية
Icon