وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، كَقَوْلِ الْبُرْجُمِيِّ: [الطَّوِيلِ]
فَإِنِّي وَقَيَّارًا بِهَا لَغَرِيبُ
وَإِنَّمَا سَاغَ هَذَا لِظُهُورِ الْمُرَادِ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ أَصْلَ الرَّسُولِ مَصْدَرٌ كَالْقَبُولِ وَالْوَلُوعِ، فَاسْتُعْمِلَ فِي الِاسْمِ فَجَازَ جَمْعُهُ، وَتَثْنِيَتُهُ نَظَرًا إِلَى كَوْنِهِ بِمَعْنَى الْوَصْفِ وَسَاغَ إِفْرَادُهُ مَعَ إِرَادَةِ الْمُثَنَّى أَوِ الْجَمْعِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ مِنْ كَوْنِهِ مَصْدَرًا، وَمِنْ إِطْلَاقِ الرَّسُولِ عَلَى غَيْرِ الْمُفْرَدِ، قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَلِكْنِي
إِلَيْهَا
وَخَيْرُ
الرَّسُو
... لِ
أَعْلَمُهُمْ بِنَوَاحِي الْخَبَرْ
يَعْنِي وَخَيْرُ الرُّسُلِ، وَإِطْلَاقُ الرَّسُولِ مُرَادًا بِهِ الْمَصْدَرُ كَثِيرٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
لَقَدْ كَذَبَ الْوَاشُونَ مَا فُهْتُ عِنْدَهُمْ | بِقَوْلٍ وَلَا أَرْسَلْتُهُمْ بِرَسُولٍ |
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُخَاطَبَ اثْنَانِ، وَقَوْلُهُ: يَامُوسَى: يَقْتَضِي أَنَّ الْمُخَاطَبَ وَاحِدٌ، وَالْجَوَابُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ فِرْعَوْنَ أَرَادَ خِطَابَ مُوسَى وَحْدَهُ، وَالْمُخَاطَبُ إِنِ اشْتَرَكَ مَعَهُ فِي الْكَلَامِ غَيْرُ مُخَاطَبٍ غَلَبَ الْمُخَاطَبُ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ خَاطَبْتَ رَجُلًا اشْتَرَكَ مَعَهُ آخَرُ فِي شَأْنٍ وَالثَّانِي غَائِبٌ فَإِنَّكَ تَقُولُ لِلْحَاضِرِ مِنْهُمَا: مَا بَالُكُمَا فَعَلْتُمَا كَذَا وَالْمُخَاطَبُ وَاحِدٌ، وَهَذَا ظَاهِرٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ خَاطَبَهُمَا مَعًا وَخَصَّ مُوسَى بِالنِّدَاءِ، لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ فِي الرِّسَالَةِ.