يَعْنِي لَسْنَ لِي بِأُمَرَاءَ.
وَهَذَا فِي النَّعْتِ بِالْمَصْدَرِ مُطَّرِدٌ كَقَوْلِ زُهَيْرٍ:

مَتَى يَشْتَجِرْ قَوْمٌ يَقُلْ سَرَوَاتُهُمْ هُمُ بَيْنَنَا هُمُ رِضًى وَهُمُ عَدْلُ
وَلِأَجْلِ مُرَاعَاةِ هَذَا لَمْ يُجْمَعْ فِي الْقُرْءَانِ السَّمْعُ وَالطَّرْفُ وَالضَّيْفُ لِأَنَّ أَصْلَهَا مَصَادِرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ [٢ ٧]، وَقَوْلِهِ: لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ، [١٤ ٤٣]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ [٤٢ ٤٥]، وَقَوْلِهِ: إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي [١٥ ٦٨].
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ الْآيَةَ.
يُتَوَهَّمُ مُعَارَضَتُهُ مَعَ قَوْلِهِ: حَيْثُ شِئْتُمَا [٢ ٣٥].
وَالْجَوَابُ: أَنَّ قَوْلَهُ: «اسْكُنْ» أَمْرٌ بِالسُّكْنَى لَا بِالسُّكُونِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْحَرَكَةِ، فَالْأَمْرُ بِاتِّخَاذِ الْجَنَّةِ مَسْكَنًا لَا يُنَافِي التَّحَرُّكَ فِيهَا وَأَكْلَهُمَا مِنْ حَيْثُ شَاءَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا الْآيَةَ.
جَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِصِيغَةِ خِطَابِ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: «وَلَا تَكُونُوا» وَ «لَا تَشْتَرُوا».
وَقَدْ أَفْرَدَ لَفْظَةَ «كَافِرٍ»، وَلَمْ يَقُلْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرِينَ. وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، أَنَّ مَعْنَى: «وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ» أَيْ أَوَّلَ فَرِيقٍ كَافِرٍ، فَاللَّفْظُ مُفْرَدٌ وَالْمَعْنَى جَمْعٌ، فَيَجُوزُ مُرَاعَاةُ كُلٍّ مِنْهَا، وَقَدْ جَمَعَ اللُّغَتَيْنِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَإِذَا هُمْ طَعِمُوا فَأَلْأَمُ طَاعِمٍ وَإِذَا هُمْ جَاعُوا فَشَرُّ جِيَاعٍ
وَقِيلَ: هُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْمُفْرَدِ وَإِرَادَةِ الْجَمْعِ، كَقَوْلِ ابْنِ عُلَّفَةَ:
وَكَانَ بَنُو فَزَارَةَ شَرَّ عَمٍّ
........


الصفحة التالية
Icon