وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ أُمَيَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا أَحْسَبُ، ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَالَ: الْبَزَّارُ لَا يُرْوَى مُتَّصِلًا إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ.
وَقَالَ الْبَزَّارُ: وَإِنَّمَا يُرْوَى مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْكَلْبِيُّ
مَتْرُوكٌ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ قِصَّةَ الْغَرَانِيقِ لَمْ تَرِدْ مُتَّصِلَةً إِلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ الَّذِي شَكَّ رَاوِيهِ فِي الْوَصْلِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ.
وَلِذَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ إِنَّهُ لَمْ يَرَهَا مَسْنَدَةً مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْكَانِيُّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: وَلَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَلَا ثَبَتَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَمَعَ عَدَمِ صِحَّتِهِ بَلْ بُطْلَانُهُ، فَقَدْ دَفَعَهُ الْمُحَقِّقُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ الْآيَةَ [٦٩ ٤٤]، وَقَوْلِهِ: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [٥٣ ٣]، وَقَوْلِهِ: وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ الْآيَةَ [١٧].
فَنَفَى الْمُقَارَبَةَ لِلرُّكُونِ فَضْلًا عَنِ الرُّكُونِ، ثُمَّ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ عَنِ الْبَزَّارِ أَنَّهَا لَا تُرْوَى بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ، وَعَنِ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ.
وَذُكِرَ عَنْ إِمَامِ الْأَئِمَّةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ وَضْعِ الزَّنَادِقَةِ، وَأَبْطَلَهَا عِيَاضٌ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيَّيْنِ وَالْفَخْرُ الرَّازِيُّ وَجَمَاعَاتٌ كَثِيرَةٌ.
وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي بُطْلَانِهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ " النَّجْمِ " قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ [٥٣ ٢٣]، فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ قَالَ تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَا، ثُمَّ أَبْطَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا فَكَيْفَ يَفْرَحُ الْمُشْرِكُونَ بَعْدَ هَذَا الْإِبْطَالِ وَالذَّمِّ التَّامِّ لِأَصْنَامِهِمْ، بِأَنَّهَا أَسْمَاءٌ بِلَا مُسَمَّيَاتٍ، وَهَذَا هُوَ الْأَخِيرُ.
وَقِرَاءَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ " النَّجْمِ " بِمَكَّةَ وَسُجُودُ الْمُشْرِكِينَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ قِصَّةِ الْغَرَانِيقِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِبُطْلَانِهَا فَلَا إِشْكَالَ.
وَأَمَّا