قَوْلُهُ تَعَالَى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ نَزَلَتْ فِي بَرَاءَةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِمَّا رُمِيَتْ بِهِ، وَذَلِكَ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهَا: الْخَبِيثَاتُ مِنَ النِّسَاءِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ النِّسَاءِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، أَيْ فَلَوْ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا غَيْرَ طَيِّبَةٍ لَمَا جَعَلَهَا اللَّهُ زَوْجَةً لِأَطْيَبِ الطَّيِّبِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ.
وَعَلَى هَذَا فَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ يَظْهَرُ تَعَارُضُهَا مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ - إِلَى قَوْلِهِ - مَعَ الدَّاخِلِينَ [٦٦ ١٠].
وَقَوْلِهِ أَيْضًا: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ الْآيَةَ [٦٦ ١١].
إِذِ الْآيَةُ الْأُولَى دَلَّتْ عَلَى خُبْثِ الزَّوْجَتَيْنِ الْكَافِرَتَيْنِ مَعَ أَنَّ زَوْجَيْهِمَا مِنْ أَطْيَبِ الطَّيِّبِينَ، وَهُمَا نُوحٌ وَلُوطٌ عَلَيْهِمَا وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ دَلَّتْ عَلَى طِيبِ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ مَعَ خُبْثِ زَوْجِهَا.
وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَجْهَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ:
الْأَوَّلُ: وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَالضَّحَّاكِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ كَثِيرٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ: أَنَّ مَعْنَاهَا الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ، لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ، أَيْ فَمَا نَسَبَهُ أَهْلُ النِّفَاقِ إِلَى عَائِشَةَ مِنْ كَلَامٍ خَبِيثٍ هُمْ أَوْلَى بِهِ، وَهِيَ أَوْلَى بِالْبَرَاءَةِ وَالنَّزَاهَةِ مِنْهُمْ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ [٢٤ ٢٦]، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَا تَعَارُضَ أَصْلًا بَيْنَ الْآيَاتِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ مَا قَدَّمْنَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَلَيْهِ فَالْإِشْكَالُ


الصفحة التالية
Icon