النَّاسِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ السُّرُورَ يَقْصُرُ بِهِ الزَّمَنُ، وَالْكُرُوبَ وَالْهُمُومَ سَبَبٌ لِطُولِهِ، كَمَا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ يَرْثِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [الْوَافِرِ] :
أَرِقْتُ
فَبَاتَ
لَيْلِي
لَا
يَزُولُ
... وَلَيْلُ أَخِي الْمُصِيبَةِ فِيهِ طُولُ
وَقَالَ الْآخَرُ:

فَقِصَارُهُنَّ مَعَ الْهُمُومِ طَوِيلَةٌ وَطِوَالُهُنَّ مَعَ السُّرُورِ قِصَارُ
وَلَقَدْ أَجَادَ مَنْ قَالَ:
لَيْلِي وَلَيْلَى نَفَى نَوْمِي اخْتِلَافُهُمَا فِي الطُّولِ وَالطُّولُ طُوبَى لِي لَوِ اعْتَدَلَا
يَجُودُ بِالطُّولِ لَيْلِي كُلَّمَا بَخِلَتْ بِالطُّولِ لَيْلَى وَإِنْ جَادَتْ بِهِ بَخِلَا
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ جِدًّا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ الْمَقِيلَ بِأَنَّهُ الْمَأْوَى وَالْمَنْزِلُ، كَقَتَادَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ أَصْلًا، لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًا وَأَحْسَنُ مَأْوًى وَمَنْزِلًا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا الْآيَةَ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يُجْزَوْنَ غُرْفَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ، [٣٩ ٢٠]، وَكَقَوْلِهِ: وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [٣٤ ٣٧].
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْغُرْفَةَ هُنَا بِمَعْنَى الْغُرَفِ، كَمَا تَقَدَّمَ مُسْتَوْفًى بِشَوَاهِدِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ، الْآيَةَ [٢ ٢٩].
وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْغُرْفَةِ، الدَّرَجَةُ الْعُلْيَا فِي الْجَنَّةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ وَقِيلَ: الْغُرْفَةُ الْجَنَّةُ، سُمِّيَتْ غُرْفَةً لِارْتِفَاعِهَا.


الصفحة التالية
Icon