بُيُوتِكُمَا إِذْ أَوَيْتُمَا إِلَى مَضَاجِعِكُمَا وَ: هَذِهِ فُلَانَةُ وَفُلَانَةُ يَسْأَلَانِكَ عَنْ إِنْفَاقِهِمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا أَلَهُمَا فِيهِ أَجْرٌ، وَ: لَقِيَ عَلِيًّا وَحَمْزَةَ فَضَرَبَاهُ بِأَسْيَافِهِمَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الضَّمَائِرَ الرَّاجِعَةَ إِلَى هَذَا الْمُضَافِ، يَجُوزُ فِيهِمَا الْجَمْعُ نَظَرًا إِلَى اللَّفْظِ، وَالتَّثْنِيَةُ نَظَرًا إِلَى الْمَعْنَى فَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ:

خَلِيلَيَّ لَا تَهْلِكْ نُفُوسُكُمَا أَسًا فَإِنَّ لَهَا فِيمَا دُهِيتُ بِهِ أَسًا
وَمِنَ الثَّانِي قَوْلُهُ:
قُلُوبُكُمَا يَغْشَاهُمَا الْأَمْنُ عَادَةً إِذَا مِنْكُمَا الْأَبْطَالُ يَغْشَاهُمُ الذُّعْرُ
الثَّانِي: هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مِنْ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [٤ ١١] أَيْ أَخَوَانِ فَصَاعِدًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبٌ لَهُمْ، لِأَنَّ أُمُومَةَ أَزْوَاجِهِ لَهُمْ تَسْتَلْزِمُ أُبُوَّتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ.
وَهَذَا الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَقْرَؤُهَا: «وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ». وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ مَرْوِيَّةٌ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَدْ جَاءَتْ آيَةٌ أُخْرَى تُصَرِّحُ بِخِلَافِ هَذَا الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ وَالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ الْآيَةَ [٣٣ ٤٠].
وَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ الْأُبُوَّةَ الْمُثْبَتَةَ دِينِيَّةٌ وَالْأُبُوَّةَ الْمَنْفِيَّةَ طِينِيَّةٌ، وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ فِي قَوْلِهِ: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ مَعَ قَوْلِهِ: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [٣٣ ٥٣]، إِذْ يُقَالُ كَيْفَ يَلْزَمُ


الصفحة التالية
Icon