لَهُ مِنْ أَذَى النَّاسِ، وَقَدْ فَعَلَ لَهُ ذَلِكَ أَبُو طَالِبٍ، وَلَمْ يَكُنْ أَجْرًا عَلَى التَّبْلِيغِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ وَإِذَا كَانَ لَا يَسْأَلُ أَجْرًا إِلَّا هَذَا الَّذِي لَيْسَ بِأَجْرٍ، تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ أَجْرًا كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:

وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
وَمِثْلُ هَذَا يُسَمِّيهِ الْبَلَاغِيُّونَ تَأْكِيدَ الْمَدْحِ، بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْآيَةِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ.
الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، أَيْ لَا تُؤْذُوا قَرَابَتِي وَعِتْرَتَيْ وَاحْفَظُونِي فِيهِمْ. وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ أَيْضًا، لِأَنَّ الْمُوَادَّةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَاجِبَةٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَأَحْرَى قَرَابَةٍ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تَعَالَى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [٩ ٧١].
وَفِي الْحَدِيثِ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا أُصِيبَ مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَالْأَحَادِيثُ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ جَدَا. وَإِذَا كَانَ نَفْسُ الدِّينِ يُوجِبُ هَذَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ عِوَضٍ عَنِ التَّبْلِيغِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ، وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ.
فَمَعْنَاهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا، لَكِنْ أُذَكِّرُكُمْ قَرَابَتِي فِيكُمْ.
وَعَلَى الثَّانِي: لَكِنْ أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي قَرَابَتِي فَاحْفَظُونِي فِيهِمْ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، أَيْ


الصفحة التالية
Icon