أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَمَامَ إِنْسَانٍ مُسَافِرٍ مَهْلَكَةٌ كُبْرَى وَهُوَ مُشْرِفٌ عَلَى الْوُقُوعِ فِيهَا مِنْ غَيْرٍ أَنْ يَعْلَمَ بِهَا، فَجَاءَهُ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَهُ بِهَا وَحَذَّرَهُ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهَا، أَنَّ هَذَا يَكُونُ يَدًا لَهُ عِنْدَهُ وَإِحْسَانًا يُجَازِيهِ عَلَيْهِ جَزَاءَ أَكْبَرِ الْإِنْعَامِ.
وَهَذَا الْوَجْهُ الْأَخِيرُ هُوَ مُقْتَضَى الْأُصُولِ، لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ النَّصَّ إِذَا احْتَمَلَ التَّوْكِيدَ وَالتَّأْسِيسَ فَالْأَصْلُ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ لَا عَلَى التَّوْكِيدِ، لِأَنَّ فِي التَّأْسِيسِ زِيَادَةُ مَعْنًى لَيْسَتْ فِي التَّوْكِيدِ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَتَكْرِيرُ: فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِ النِّعَمِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهَا مِنْ إِنْعَامٍ أَوْ مَوْعِظَةٍ أَوْ إِنْذَارٍ.
وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ كُلَّهَا مِنْ آلَاءِ اللَّهِ، فَالْمَذْكُورَةُ بَعْدَ نِعَمِهِ كَالْمَذْكُورَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلَهُ الْجَوَارِي الْمُنْشَآتُ الْآيَةَ [٥٥ ٢٤].
وَبَعْدَ قَوْلِهِ: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ الْآيَةَ [٥٥ ٢٢]، لِأَنَّ السُّفُنَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالْمَرْجَانَ مِنْ آلَاءِ اللَّهِ كَمَا هُوَ ضَرُورِيٌّ، وَالْمَذْكُورَةُ بَعْدَ مَوْعِظَةٍ كَالْمَذْكُورَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ الْآيَةَ [٥٥ ٣٧]، وَالْمَذْكُورَةُ بَعْدَ إِنْذَارٍ أَوْ تَخْوِيفٍ، كَالْمَذْكُورَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ: يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ الْآيَةَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ.
تَقَدَّمَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [١٥ ٩٢ - ٩٣].
وَقَوْلِهِ: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ الْآيَةَ [٧ ٦] فِي سُورَةِ «الْأَعْرَافِ».


الصفحة التالية
Icon