فَإِنَّ السُّنِّيَّ يَقُولُ لَهُ: كُلُّ الْأَسْبَابِ الَّتِي أَعْطَاهَا لِلْمُهْتَدِينَ أَعْطَاهَا لَكَ، جَعَلَ لَكَ سَمْعًا تَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرًا تُبْصِرُ بِهِ، وَعَقْلًا تَعْقِلُ بِهِ،
وَأَرْسَلَ لَكَ رَسُولًا، وَجَعَلَ لَكَ اخْتِيَارًا وَقُدْرَةً، وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا التَّوْفِيقُ وَهُوَ مِلْكُهُ الْمَحْضُ، إِنْ أُعْطَاهُ فَفَضْلٌ، وَإِنْ مَنَعَهُ فَعَدْلٌ.
كَمَا أَشَارَ لَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [٦ ١٤٩]، يَعْنِي أَنَّ مِلْكَهُ لِلتَّوْفِيقِ حُجَّةٌ بَالِغَةٌ عَلَى الْخَلْقِ، فَمَنْ أُعْطِيَهُ فَفَضْلٌ، وَمَنْ مُنِعَهُ فَعَدْلٌ.
وَلَمَّا تَنَاظَرَ أَبُو إِسْحَاقَ الِاسْفَرَائِينِيُّ مَعَ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيِّ، قَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: سُبْحَانَ مَنْ تَنَزَّهَ عَنِ الْفَحْشَاءِ، وَقَصْدُهُ أَنَّ الْمَعَاصِيَ كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَى بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ دُونَ مَشِيئَةِ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يَشَاءَ الْقَبَائِحَ فِي زَعْمِهِمْ.
فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ مَنْ لَا يَقَعُ فِي مُلْكِهِ إِلَّا مَا يَشَاءُ.
فَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: أَتَرَاهُ يَخْلُقُهُ وَيُعَاقِبُنِي عَلَيْهِ؟
فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَتَرَاكَ تَفْعَلُهُ جَبْرًا عَلَيْهِ؟ أَأَنْتَ الرَّبُّ وَهُوَ الْعَبْدُ؟
فَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَانِي إِلَى الْهُدَى وَقَضَى عَلَيَّ بِالرَّدَى أَتَرَاهُ أَحْسَنَ إِلَيَّ أَمْ أَسَاءَ؟
فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إِنْ كَانَ الَّذِي مَنَعَكَ مِنْهُ مِلْكًا لَكَ فَقَدْ أَسَاءَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ فَإِنْ أَعْطَاكَ فَفَضْلٌ، وَإِنْ مَنَعَكَ فَعَدْلٌ. فَبُهِتَ عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَقَالَ الْحَاضِرُونَ: وَاللَّهِ مَا لِهَذَا جَوَابٌ.
وَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَقَالَ لَهُ: ادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ حِمَارَةً سُرِقَتْ مِنِّي، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ حِمَارَتَهُ سُرِقَتْ وَلَمْ تُرِدْ سَرِقَتَهَا فَارْدُدْهَا عَلَيْهِ،