الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ يَتَّحِدَ الْحُكْمُ وَيَخْتَلِفَ السَّبَبُ، كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ مُتَّحِدٌ وَهُوَ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَالسَّبَبُ مُخْتَلِفٌ وَهُوَ قَتْلُ خَطَأٍ وَظِهَارٌ مَثَلًا، وَمِثْلُ هَذَا الْمُطْلَقِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَلِذَا أَوْجَبُوا الْإِيمَانَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَيَدُلُّ لِحَمْلِ هَذَا الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْهُ عَنْهَا هَلْ هِيَ كَفَّارَةٌ أَوْ لَا، وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْأَقْوَالِ، قَالَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ:
وَنَزِّلَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ | مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْأَقْوَالِ |
وَالْقَائِلُونَ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَثَّلُوا لَهُ بِإِطْعَامِ الظِّهَارِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقَيَّدْ بِكَوْنِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَمَاسَّا، مَعَ أَنَّ عِتْقَهُ وَصَوْمَهُ قُيِّدَا بِقَوْلِهِ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [٥٨ ٣]، فَيُحْمَلُ هَذَا الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَيَجِبُ كَوْنُ الْإِطْعَامِ قَبْلَ الْمَسِيسِ.
وَمَثَّلَ لَهُ اللَّخْمِيُّ بِالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ حَيْثُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ [٥ ٨٩].
وَأَطْلَقَ الْكُسْوَةَ عَنِ الْقَيْدِ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: أَوْ كِسْوَتُهُمْ [٥ ٨٩]، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَيُشْتَرَطُ فِي الْكُسْوَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تَكْسُونَ أَهْلِيكُمْ.
الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الْحُكْمِ وَالسَّبَبِ مَعًا وَلَا حَمْلَ فِيهَا إِجْمَاعًا وَهُوَ وَاضِحٌ، وَهَذَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْمُقَيَّدُ وَاحِدًا.
أَمَّا إِذَا وَرَدَ مُقَيَّدَانِ بِقَيْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى كِلَيْهِمَا لِتَنَافِي قَيْدَيْهِمَا، وَلَكِنَّهُ يَنْظُرُ فِيهِمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ لِلْمُطْلَقِ مِنَ الْآخَرِ