لِلنَّاسِ الْآيَةَ [٣٤ ٢٨].
وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ حَوْلَهَا شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْأَرْضِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا تَسْلِيمًا جَدَلِيًّا أَنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ حَوْلَهَا لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا الْقَرِيبَ مِنْ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ حَرَّمَهَا اللَّهُ كَجَزِيرَةِ الْعَرَبِ مَثَلًا، فَإِنَّ الْآيَاتِ الْأُخَرَ نَصَّتْ عَلَى الْعُمُومِ كَقَوْلِهِ: لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا.
وَذِكْرُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا أَبُو ثَوْرٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ وَاضِحًا بِأَدِلَّتِهِ فِي سُورَةِ «الْمَائِدَةِ».
فَالْآيَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَقَوْلِهِ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [٢٦ ٢١٤]، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إِنْذَارِ غَيْرِهِمْ، كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ.
وَقَوْلُهُ أَيْضًا: وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ [٦ ١٤١]، أَثْبَتَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ التَّشَابُهَ لِلزَّيْتُونِ وَالرُّمَّانِ وَنَفَاهُ عَنْهُمَا.
وَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى مُتَشَابِهًا وَرَقُهَا مُخْتَلِفًا طَعْمُهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ الْآيَةَ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تُوهِمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُرَى بِالْأَبْصَارِ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُرَى بِالْأَبْصَارِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [٧٥ ٢٢ - ٢٣]، وَكَقَوْلِهِ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [١٠ ٢٦]، فَالْحُسْنَى: الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [٥٠ ٣٥]، عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْكُفَّارِ: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ
[٨٣ ١٥]، يُفْهَمُ مِنْ دَلِيلِ خِطَابِهِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسُوا