قلبه الذي عمر بالقرآن، وثمرة ناضجة لهذا العقل المتوهج المتألق الذي استقبل آيات القرآن فأعطاها ما تستحق من تدبر، فجمع بين النقل الصحيح، والعقل الصريح، واغترف من التراث، ولم يغفل عن عصره فجمع بين الأصالة والمعاصرة، بفقه يتجدد به فهم الدين.. لتتجدد به حياة المسلمين لتكون من بعد أقل عابًا وأكثر صوابًا.
٢- من أعلام مدرسة القرآن:
مما سبق يتأكد لنا أن محمد بن عبد الله دراز من علماء المدرسة القرآنية التي واجهت الغرب المادي فحافظت على أصالة فكرنا وهوية ثقافتنا. فثمة تقارب في الفكر والروح والمنهج في التلقي عن القرآن جمع بين الدكتور دراز والإمام الشهيد حسن البنا "١٩٠٦م- ١٩٤٩م" والعلامة الفيلسوف محمد إقبال "١٨٧٧-١٩٣٨م" والإمام عبد الحميد بن باديس "١٨٨٩م- ١٩٤٠م" والعلامة المودودي "١٩٠٣م- ١٩٧٩م" ومالك بن نبي "١٩٠٥م- ١٩٧٣م" وغيرهم من أعلام مدرسة القرآن رضي الله عنهم... ونحن نرى أن محمد عبد الله دراز كان في هذه المدرسة مثل أعلامها الكبار؛ متألقًا بصفاء عقله، وإيمان قلبه، ونشدانه الحق الذي قامت به السماوات والأرض، وبه بعث الرسل والنبيون، فكانت غايته هي بعث الأمة المسلمة بعثًا قرآنيًّا يستوعب حضارة العصر، دون أن تحمل أوزارها السيئة وأوساخها وجراثيمها وتضحيتها بالدين والأخلاق.
إن كل صفحة كتبها محمد عبد الله دراز تعلن أنه تلميذ القرآن، وأن أستاذية القرآن هي التي جعلته يبصر الكون والتاريخ والحياة برؤية إيمانية جامعة تستوعب الأشياء، وتمنح عقله التوهج والتألق؛ لينفذ إلى ما وراء الأشياء ويفسر حركة الحياة تفسيرًا جامعًا للعوالم المنظورة والعوالم غير المنظورة١.