طاعته فيهما على السواء، فكانت حرمتهما في النفوس على سواء، وكانت طاعته من طاعة الله، ومعصيته من معصية الله، فهلا جعل كل أقواله من كلام الله تعالى لو كان الأمر كما يهجس به ذلك الوَهِمُ.
وأما فساد هذا القياس من أساسه؛ فلأنه مبني على افتراض باطل، وهو تجويز أن يكون هذا الزعيم من أولئك الذين لا يأبون في الوصول إلى غاية إصلاحية أن يعبروا إليها على قنطرة من الكذب والتمويه، وذلك أمر يأباه علينا الواقع التاريخي كلَّ الإباء، فإن من تتبع سيرته الشريفة في حركاته وسكناته، وعباراته وإشاراته، في رضاه وغضبه، في خلوته وجلوته.. لا يشك في أنه كان أبعد الناس عن المداجاة والمواربة، وأن سره وعلانيته كانا سواءً في دقة الصدق وصرامة الحق في جليل الشئون وحقيرها، وأن ذلك كان أخص شمائله وأظهر صفاته قبل النبوة وبعدها، كما شهد ويشهد به أصدقاؤه وأعداؤه١ إلى يومنا هذا ﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ ٢.
طرف من سيرته بإزاء القرآن:
وكأني بك ها هنا تحب أن أقدم لك من سيرته المطهرة مثلًا واضح الدلالة على مبلغ صدقه وأمانته في دعوى الوحي الذي نحن بصدده، وأنه لم يكن ليأتي بشيء من القرآن من تلقاء نفسه، فإليك طرفًا من ذلك:

١ اقرأ مثلًا ما كتبه توماس كارليل الإنجليزي في كتاب الأبطال، وما كتبه الكونت هنري دي كاستري الفرنسي في خواطره وسوانحه عن الإسلام، ثم اقرأ شهادة قريش التي سجلها أبو سفيان وهو في الجاهلية بين يدي هرقل عظيم الروم لما سألهم هرقل: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا. وسألهم: هل يغدر؟ قال: لا. أخرجه الشيخان: البخاري؛ عن عبد الله بن العباس، ك/ بدء الوحي، ب/ بدء الوحي "٦"، ومسلم؛ عن عبد الله بن عباس، ك/ الجهاد والسير، ب/ كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى هرقل "٣٣٢٢".
٢ سورة يونس: الآية ١٦ وما بعدها.


الصفحة التالية
Icon